كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : وَلَوْ كَانَ مَاءُ الْكُوزِ طَاهِرًا، فَغَمَسَهُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ يَنْقُصُ عَنِ الْقُلَّتَيْنِ بِقَدْرِ مَاءِ الْكُوزِ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ النَّجِسِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
مَاءُ الْبِئْرِ كَغَيْرِهِ فِي قَبُولِ النَّجَاسَةِ وَزَوَالِهَا، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَتَنَجَّسَ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ الطَّهُورُ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ، فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا، وَقَدْ تَنَجَّسَ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا، بِالنَّزْحِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ لِيَزْدَادَ فَيَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ. وَإِنْ كَانَ نَبْعُهَا قَلِيلًا لَا تُتَوَقَّعُ كَثْرَتُهُ، صُبَّ فِيهَا مَاءٌ لِيَبْلُغَ الْكَثْرَةَ، وَيَزُولَ التَّغَيُّرُ إِنْ كَانَ تَغَيَّرَ. وَطَرِيقُ زَوَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَالْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا طَاهِرًا، وَتَفَتَّتْ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ، كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا، فَقَدْ يَبْقَى عَلَى طَهُورِيَّتِهِ لِكَثْرَتِهِ، وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ، لَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَنْزَحُ دَلْوًا إِلَّا وَفِيهِ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَقَى الْمَاءُ كُلُّهُ، لِيَخْرُجَ الشَّعْرُ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فَوَّارَةً، وَتَعَذَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ، نُزِحَ مَا يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ خَرَجَ كُلُّهُ مَعَهُ، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ وَمَا يَحْدُثُ، طَهُورٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَيْقَنِ النَّجَاسَةِ، وَلَا مَظْنُونِهَا، وَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُ بَقَاءِ الشَّعْرِ.
فَإِنْ تَحَقَّقَ شَعْرًا بَعْدَ ذَلِكَ، حُكِمَ بِهِ. فَأَمَّا قَبْلَ النَّزْحِ إِلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو كُلُّ دَلْوٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ، لَكِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ، فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْقَوْلَانِ فِي تَقَابُلِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّعْرِ تَفْرِيعٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ لَمْ تُنَجِّسْهُ، فُرِضَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ.

الصفحة 25