كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنَّ سَلَّمَ سَاهِيًا، أَتَمَّ أَرْبَعًا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ السَّلَامِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ ثَانِيًا، فَإِنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ. ثُمَّ إِنْ تَطَوَّعَ بِرَكْعَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّشَهُّدِ. وَإِنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ. وَهَذَا التَّشَهُّدُ رُكْنٌ. وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا فِي الْفَرَائِضِ الرُّبَاعِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ وَتْرًا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّشَهُّدِ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَجْوِيزَ التَّشَهُّدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيُّ. وَفِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ.
قُلْتُ: (الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ) ، مَنْعُهُ، فَإِنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا عَهْدَ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالُوا: هُوَ الْأَفْضَلُ، وَإِنْ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ. وَذَكَرَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) ، وَ (التَّهْذِيبِ) وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ بِحَالٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ أَكْثَرُ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، إِنْ كَانَ الْعَدَدُ شَفْعًا وَإِنْ كَانَ وَتْرًا، لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَةٍ. وَالْمَذْهَبُ: جَوَازُ الزِّيَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَحَكَى صَاحِبُ (الْبَيَانِ) وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ إِلَّا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. ثُمَّ إِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدٍ، قَرَأَ السُّورَةَ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدَيْنِ، فَهَلْ يَقْرَأُ فِيمَا بَعْدُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْفَرَائِضِ.
وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، سَوَاءً كَانَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ. وَلَوْ نَوَى صَلَاةَ تَطَوُّعٍ، وَلَمْ يَنْوِ رَكْعَةً، وَلَا رَكَعَاتٍ، فَهَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ؟ قَالَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً، هَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِرَكْعَةٍ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالْجَوَازِ.

الصفحة 336