كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مَسَائِلُ. فَإِذَا اجْتَمَعَ عَدْلٌ وَفَاسِقٌ، فَالْعَدْلُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَإِنِ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَتُكْرَهُ أَيْضًا خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ. وَعَدَّ صَاحِبُ (الْإِفْصَاحِ) مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، أَوْ يَنْفِي شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى - كَافِرًا. وَكَذَا جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَمُتَابِعُوهُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مِمَّنْ يُكَفَّرُ. وَالْخَوَارِجُ لَا يُكَفَّرُونَ. وَيُحْكَى الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَأَطْلَقَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ، الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ. قَالَ صَاحِبُ (الْعُدَّةِ) : وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَصَاحِبُ (الْعُدَّةِ) هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ. فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ. وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمُنَاكَحَتِهِمْ، وَمُوَارَثَتِهِمْ، وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَأَوَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ، مَا جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ، لَا كُفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْأَوْرَعِ مَعَ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ وَجْهَانِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) : يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ لَا يَقْرَأُ إِلَّا مَا يَكْفِي الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ فِقْهٍ كَثِيرٍ،

الصفحة 355