كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

الْحَرَمَيْنِ: الْأَوَّلُ مُزَيَّفٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالِاعْتِبَارُ، بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ. حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا، أَوْ قَاعِدًا فَلَمْ يُحَاذِ، وَلَوْ قَامَ فِيهِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ، لَحَصَلَتِ الْمُحَاذَاةُ، كَفَى. وَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الِانْخِفَاضُ الْقُدْوَةَ، وَكَانَ بَعْضُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمُ الِاتِّصَالُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ مَتَاعٍ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ كَانَا فِي الْبَحْرِ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إِذَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، كَالصَّحْرَاءِ، وَتَكُونُ السَّفِينَتَانِ كَدِكَّتَيْنِ فِي الصَّحْرَاءِ، يَقِفُ الْإِمَامُ عَلَى إِحْدَاهُمَا، وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَفِينَةُ الْإِمَامِ مَشْدُودَةً بِسَفِينَةِ الْمَأْمُومِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ، كَالدَّارِ ذَاتِ الْبُيُوتِ. وَحُكْمُ الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ حُكْمُ الدُّورِ. وَالسُّرَادِقَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ، كَالسَّفِينَةِ الْمَكْشُوفَةِ، وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآخَرُ خَارِجَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِي مَسْجِدٍ، وَالْمَأْمُومُ فِي مَوَاتٍ مُتَّصِلٍ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ، إِذَا لَمْ تَزِدِ الْمَسَافَةُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي، مِنْ آخِرِ صَفٍّ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ. وَعَلَى الثَّالِثِ، مِنْ حَرِيمِ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاتِ. وَحَرِيمُهُ: الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ، كَانْصِبَابِ الْمَاءِ إِلَيْهِ، وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارُ الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ الْبَابَ النَّافِذَ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ، فَوَقَفَ بِحِذَائِهِ جَازَ، وَلَوِ اتَّصَلَ صَفٌّ بِالْوَاقِفِ فِي الْمُحَاذَاةِ، وَخَرَجُوا عَنِ الْمُحَاذَاةِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِدَارِ بَابٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ بَلْ عَدَلَ عَنْهُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَمْنَعُ. وَأَمَّا الْحَائِلُ غَيْرَ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَيَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ

الصفحة 364