كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ، سَوَاءً اقْتَدَى بِهِ الرِّجَالُ أَوِ النِّسَاءُ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَابَشَامِيِّ، وَالْقَفَّالُ: أَنَّهُ تَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ عَلَى الْإِمَامِ. وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. لَكِنْ هَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ يَنَالُ بِهَا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا لَمْ يَنْوِهَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَنَالُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَاقْتَدَى بِهِ جَمْعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ، يَنَالُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُمْ نَالُوهَا بِسَبَبِهِ، وَهَذَا كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، هَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ؟ الْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَعَيَّنَ فِي نِيَّتِهِ الْمُقْتَدِيَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ غَلَطَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ، فَلَوِ اخْتَلَفَتْ صَلَاتَا الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، بِأَنِ اقْتَدَى مُفْتَرِضٌ بِمَنْ يُصَلِّي جِنَازَةً، أَوْ كُسُوفًا، لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَتَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْأَذْكَارِ بَيْنَهَا، بَلْ إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إِخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، وَبَيْنَ انْتِظَارِ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَإِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ، تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ رَفَعَ رَأَسَهُ مَعَهُ وَفَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي الرُّكُوعِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَيَعْتَدِلُ مَعَهُ عَنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي، وَلَا يَنْتَظِرُهُ

الصفحة 367