كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

أَمَّا إِذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى السُّجُودِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا. ثُمَّ إِذَا اكْتَفَيْنَا بِابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ عَنِ الِاعْتِدَالِ، وَابْتِدَاءِ الِارْتِفَاعِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ، فَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ رُكْنَانِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُمَا، وَبِرُكْنٍ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ الرُّكْنُ الَّذِي سَبَقَ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فَلِلتَّخَلُّفِ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُلَابِسَ - مَعَ تَمَامِهِمَا أَوْ تَمَامِهِ - رُكْنًا آخَرَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ (التَّهْذِيبِ) تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِيمَا إِذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ، كَمَا إِذَا اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ. هَذَا كُلُّهُ فِي التَّخَلُّفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا الْأَعْذَارُ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: الْخَوْفُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، وَالْإِمَامُ سَرِيعَهَا، فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُتَابِعُهُ وَيَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ بَاقِيهَا. فَعَلَى هَذَا لَوِ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا، كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا، وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَهُ أَنْ يَدُومَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ. وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاتِهِ، وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِهِ. وَبِهَذَا أَفْتَى الْقَفَّالُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ. وَمِنْهَا أَخْذُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ، إِنَّمَا هُمَا إِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوَافِقُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَبْلَهُ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ. وَلَمْ يُعْتَبَرِ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلَا يُجْعَلُ التَّخَلُّفُ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ مُؤَثِّرًا. وَأَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ، أَوْ يُفَرِّقُ وَيَجْعَلُ الْجُلُوسَ مَقْصُودًا، أَوْ رُكْنًا طَوِيلًا، فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ،

الصفحة 371