كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ وَادٍ يُمْكِنُ الْبَدَوِيُّ النُّزُولَ فِيهِ لِلْإِقَامَةِ. فَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَنَحْوُهَا، فَفِي انْقِطَاعِ السَّفَرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: انْقِطَاعُهُ. وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا قَطْعًا وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: إِنْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، صَارَ مُقِيمًا. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةً دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ كَيْفَ تُحْسَبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرِهِ، أَحَدُهُمَا: يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَمَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْحَدَثِ وَيَوْمُ نَزْعِ الْخُفِّ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُحْسَبَانِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَصِيرُ (مُقِيمًا) ، وَإِنْ دَخَلَ ضَحْوَةَ السَّبْتِ وَخَرَجَ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: مَتَى نَوَى إِقَامَةً زَائِدَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ الْأَيَّامُ الْمُحْتَمَلَةُ مَعْدُودَةٌ مَعَ لَيَالِيهَا. وَإِذَا نَوَى مَا لَا يُحْتَمَلُ صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ. وَلَوْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ يَحْسِبْ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ وَيَحْسِبِ الْغَدَ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ، أَمَّا الْمُحَارِبُ إِذَا نَوَى إِقَامَةَ قَدْرٍ يَصِيرُ غَيْرُهُ بِهِ مُقِيمًا، فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: يَقْصُرُ أَبَدًا.
قُلْتُ: وَلَوْ نَوَى الْعَبْدُ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوِ الزَّوْجَةُ أَوِ الْجَيْشُ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَلَا الزَّوْجُ وَلَا الْأَمِيرُ، فَفِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ فِي حَقِّهِمْ وَجْهَانِ. الْأَقْوَى: أَنَّ لَهُمُ الْقَصْرَ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَقِلُّونَ، فَنِّيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: صُورَةُ الْإِقَامَةِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ شُغْلٌ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَأَقَامَ لَهُ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْجُوَ فَرَاغَ شُغْلِهِ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الِارْتِحَالِ عِنْدَ فَرَاغِهِ. وَالثَّانِي: يَعْلَمُ أَنَّ شُغْلَهُ لَا يَنْقَضِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، غَيْرَ

الصفحة 384