كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 1)

يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، كَالتَّفَقُّهِ وَالتِّجَارَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَالْأَوَّلُ: لَهُ الْقَصْرُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ طَرِيقَانِ. الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: يَجُوزُ الْقَصْرُ أَبَدًا سَوَاءً فِيهِ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقِتَالِ وَالْمُقِيمُ لِتِجَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ: يَجُوزُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَطْ، وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: تِسْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: عِشْرِينَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي (الْمُحَارِبِ) وَيَقْطَعُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ مُحَارِبًا وَقُلْنَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ: لَا يَقْصُرُ، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَرَخَّصُ أَبَدًا. وَالثَّانِي: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارِبٍ، كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَصْلًا. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُحَارِبِ، وَهُوَ غَلَطٌ.
فَرْعٌ
وَأَمَّا كَوْنُ السَّفَرِ طَوِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَالطَّوِيلُ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَهِيَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ. فَالْمِيلُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالْخُطْوَةُ: ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ. وَهَلْ هَذَا الضَّبْطُ تَحْدِيدٌ، أَمْ تَقْرِيبٌ؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: تَحْدِيدٌ. وَحُكِيَ قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّ الْقَصْرَ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، بِشَرْطِ الْخَوْفِ. وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ. وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا يَقْصُرَ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ضَبْطِهِ بِهِ. وَالْمَسَافَةُ فِي الْبَحْرِ مِثْلُ الْمَسَافَةِ فِي الْبَرِّ وَإِنْ قَطَعَهَا فِي لَحْظَةٍ. فَإِنْ شَكَّ فِيهَا اجْتَهَدَ.
قُلْتُ: وَلَوْ حَبَسَتْهُمُ الرِّيحُ فِيهِ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: هُوَ كَالْإِقَامَةِ فِي الْبَرِّ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 385