كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 1)

اعلم أن جميع ما شذَّ عن قراءة القراء السبعة1 -وشهرتهم مغنية عن تسميتهم- ضربان:
ضرب شذ عن القراءة عاريًا من الصنعة، ليس فيه إلا ما يتناوله الظاهر مما هذه سبيله، فلا وجه للتشاغل به؛ وذلك لأن كتابنا هذا ليس موضوعًا على جميع كافة القراءات الشاذة عن قراءة السبعة؛ وإنما الغرض منه إبانة ما لطفت صفته، وأُغْرِبَتْ2 طريقته.
وضرب ثانٍ وهو هذا الذي نحن على سمته؛ أعني: ما شذ عن السبعة، وغمُض عن ظاهر الصنعة، وهو المعتمد المعوَّل عليه، المولَى3 جهة الاشتغال به. ونحن نورد ذلك على ما رويناه، ثم على ما صح عندنا من طريق رواية غيرنا له، لا نألو فيه ما تقتضيه حال مثله من تأدية أمانته، وتحرِّي الصحة في روايته، وعلى أننا نُنْحي4 فيه على كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد -رحمه الله- الذي وضعه لذكر الشواذ من القراءة؛ إذ كان مرسومًا به مَحْنُوَّ الأرجاء عليه، وإذ هو أثبت في النفس من كثير من الشواذ المحكية عمن ليست له روايته، ولا توفيقه ولا هدايته.
فأما ما رويناه في ذلك فكتاب أبي حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني5 -رحمه الله- أخبرنا به أبو إسحق إبراهيم بن أحمد القِرْميسيني6، عن أبي بكر محمد بن هارون الرُّوياني7
__________
1 هم: ابن عامر، وابن كثير، وقد سبق التعريف بهما "ص33" وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وكانت وفاته سنة 127، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وكانت وفاته سنة 154، وحمزة بن حبيب الكوفي، وكانت وفاته سنة 156، ونافع بن عبد الرحمن المدني، وكانت وفاته سنة 169، وعلي بن حمزة الكسائي الكوفي، وكانت وفاته سنة 189.
2 أغربت: جعلت غريبة، من قولهم: أغرب السلطان الرجل: أي نفاه وأبعده من بلده وجعله غريبًا.
3 كذا في ك، وفي الأصل: المولى عليه، ولم نتبين وجهًا لزيادة "عليه".
4 ننحي: نقبل، من قولهم: أنحى عليه ضربًا: أي أقبل.
5 هو إمام البصرة في اللغة والنحو والقراءة والعروض. ويقول ابن الجزري: "وأحسبه أول من صنف في القراءات"، توفي سنة 255هـ، ويقال سنة 250. طبقات ابن الجزري: 1/ 320، والفهرست لابن النديم: 87.
6 في طبقات ابن الجزري 1/ 7: "إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن مهران أبو إسحاق القرماسيني، شيخ روى الحروف عن أبي بكر الأصبهاني وأحمد بن أنس الدمشقي صاحب ابن ذكوان، روى عنه إبراهيم بن أحمد الطبري" ولم يذكر وفاته. وإبراهيم الطبري ولد سنة 324، وتوفي سنة 393، كما في طبقات ابن الجزري. ومن هذا نعلم أن القرماسيني كان في القرن الرابع، القرن الذي كان فيه ابن جني، فهو القرميسيني صاحب ابن جني. وقد ورد مثل هذا السند في الخصائص: 1/ 75، وفي القاموس: قرميسين بالكسر: بلد قرب الدينور، معرب كرمانشاهان.
7 كذا في ك، وفي الأصل: محمد بن مقرون، وفي الخصائص1/ 75: "محمد بن هارون"، وفي طبقات ابن الجزري2/ 273: "محمد بن هارون الطبري، روى الحروف عن أبي حاتم السجستاني، وروى عنه الحروف محمد بن الحسن النقاش"، والرويان من طبرستان، فالظاهر أن صحة ما هنا: محمد بن هارون.

الصفحة 35