كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 1)

أَحْرَى وأَوْلَى، فمن ذلك قولهم في رُبَّ رَجُل: رُبَ رَجل، وفي أرَّ: أرْ1، وفي أيٍّ: أيْ، أنشدنا أبو علي للفرزدق:
تنظرتُ نصرًا والسماكين أَيْهُمَا ... عَلَيَّ من الغيثِ استهَلَّت مواطِرُه2
ويبدلون أيضًا ليختلف الحرفان فيخفا، وذلك قوله:
يا ليتما أُمُّنَا شالت نعامَتُها ... أَيْمَا إلى جنة أَيْمَا إلى نار3
وقالوا في اجلوَّاذ4: اجليواذ، "5و" وفي دِوَّان: ديوان، والشيء من هذا ونحوه أوسع؛ لكن كل واحد من هذه الحروف وغيرها قد سمع وشاع، فأما "إِيَاك" بالتخفيف فلم يسمع إلا من هذه الجهة، وينبغي للقرآن أن يُختار له، ولا يختار عليه.
ومن ذلك قراءة الحسن رضي الله عنه: "اهدنا صراطًا مستقيمًا"5.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون أراد -والله أعلم- التذلل لله سبحانه، وإظهار الطاعة له؛ أي: قد رضينا منك يا ربنا بما يقال له: صراط مستقيم، ولسنا نريد المبالغة في قول من قرأ: "الصراط المستقيم" أي: الصراط الذي شاعت استقامته، وتُعولمت في ذلك حاله وطريقته، فإن قليل هذا منك لنا زاك عندنا وكثير من نعمتك علينا، ونحن له مطيعون، وإلى ما تأمر به وتنهى فيه صائرون، وزاد في حسن التنكير هنا ما دخله من المعنى؛ وذلك أن تقديره: أَدِمْ هدايتك لنا؛ فإنك إذا فعلت ذلك بنا فقد هديتنا إلى صراط مستقيم؛ فجرى حينئذ مجرى قولك: لئن لقيتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتَلْقَينَّ منه رجلًا متناهيًا في الخير، ورسولًا جامعًا لسبل الفضل؛ فقد آلت به الحال إلى معنى التجريد؛ كقول الأخطل:
بِنَزوة لص بعدما مر مصعب ... بأَشعث لا يُفْلَى ولا هو يَقمَل6
__________
1 الأرير: صوت الماجن عند القمار والغلبة، أو هو مطلق الصوت.
2 نصر: هو نصر بن سيار. ديوان الفرزدق: 1/ 347.
3 البيت لسعد بن قرظ من العققة، شالت نعامتها: ارتفعت جنازتها. مختصر الشواهد للعيني: 299.
4 الاجلواذ: المضاء والسرعة.
5 سورة الفاتحة: 6.
6 قبله:
فسائل بني مروان ما بال ذمة ... وحبل ضعيف لا يزال يوصل
فلى رأسه يفليه: بحثه عن القمل، قمل رأسه كفرح: كثر قمله. ديوان الأخطل: 10، والخصائص: 2/ 177.

الصفحة 41