كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 1)

ابن عبيد1 يقرأ: "فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَأَن"2، قال أبو زيد: فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب تقول: شَأَبَّه ومَأَدَّه ودَأَبَّة، وعليه قول كثير:
إذا ما العوالي بالعبيط احمَأَرَّت3
وقال:
وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضًا وأما بِيضُها فادْهَأَمَّت4
وقد ذكرنا من هذا الضرب في كتابنا الموسوم بالخصائص5 ما فيه كفاية عن غيره.
ومن طريف حديث إبدال الألف همزة ما حكاه اللحياني6 من قول بعضهم في الباز: البأز بالهمزة، ووجه ذلك: أن الألف ساكنة، وهي مجاورة لفتحة الباء قبلها، وقد أَرينا في كتاب الخصائص وغيره7 من كتبنا: أن الحرف الساكن إذا جاور الحركة فقد تُنْزِله العرب منزلة المتحرك بها، من ذلك قولهم في الوقف على بكر: هذا بَكُر، ومررت ببكِر، ألا ترى حركتي الإعراب لما جاورتا الراء صارتا كأنهما فيها. ومنه قوله جرير:
لَحَبَّ المؤقدان إليَّ مؤسى8
__________
1 هو عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري، روى الحروف عن الحسن البصري وسمع منه، وروى عنه الحروف بشار بن أيوب الناقد، مات في ذي الحجة سنة 144. طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 602.
2 سورة الرحمن: 74.
3 ورد في الديوان 2/ 97 الشطر من بيت هكذا:
وأنت ابن ليلى خير قومك مشهدًا ... إذا ما احمأرت بالعبيط العوامل
وهو من قصيدة في مدح عبد العزيز بن مروان. الخصائص: 3/ 126.
4 البيت لكثير أيضًا من قصيدة في رثاء عبد العزيز بن مروان، ويروى: والأرض مكان وللأرض. انظر: سر صناعة الإعراب: 1/ 84، والخصائص: 3/ 127.
5 انظر: الخصائص: 3/ 145 وما بعدها.
6 هو علي بن المبارك، وقيل: ابن حازم، أبو الحسن اللحياني من بني لحيان بن هذيل بن مدركة، وقيل: سمي به لعظم لحيته، أخذ عن الكسائي وأبي زيد وأبي عمرو الشيباني والأصمعي، وعمدته على الكسائي، وأخذ عنه القاسم بن سلام. بغية الوعاة: 346.
7 انظر: سر الصناعة: 1/ 82 وما بعدها.
8 تمامه:
وجعدة إذ أضاءهما الوقود
والبيت من قصيدة لجرير مدح بها هشام بن عبد الملك، ورُوي: أحب المؤقدين، بصيغة أفعل التفضيل، وموسى وجعدة ولدا جرير، يمدحهما بالكرم والاشتهار به، فكنى عن الأول بإيقاد نار القرى، وعن الثاني بإضاءة الوقود لهما، قال البغدادي: "وقال السيوطي رحمه الله: جعدة بنته، وفيه بعد". انظر: سر الصناعة: 1/ 90، والخصائص: 2: 175، 3/ 146، 149، 219، وشرح شواهد الشافية: 429 وما بعدها.

الصفحة 47