كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

قَوْلُهُ: "مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضَيَاعًا فإلِىَّ" (¬44) قَالَ النَّضْرُ (¬45): الضَّيَاعُ: الْعِيالُ. وَقَالَ الْقُتَيْبِىُّ: هُوَ (¬46) مَصْدَرُ ضَاعَ يَضِيغُ ضَيَاعًا، أرادَ: مَنْ تَرَك عِيَالًا صِغَارًا أطْفَالًا، جَاءَ بِالْمَصْدَرِ نَائِبًا عَن الاسْمِ، كَمَا يَقُولُ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ فَقْرًا، أَيْ: فُقَرَاءَ، فَإذَا كَسَرْتَ الضَّادَ، فَهُوَ جَمْعُ ضَائِعٍ، مِثْلُ جَائِع وَجِيَاعٍ (¬47).
سمِّىَ (¬48) المنْبَرُ مِنْبَرًا؛ لعُلُوِّه وَاْرتِفَاعِهِ. وَالنَّبْرُ: الرَّفْعُ، وَمنْهُ سُمِّىَ الْهَمْزُ نبْرًا. وَنَبَرتُ (¬49) الْحَرْفَ هَمَزْتُهُ.
قَوْلُهُ: "الْمُسْتَرَاحُ" (¬50) هِىَ الدَّرَجَةُ الَّتِى يَقْعُدُ عَلَيْهَا الْخَطِيبُ لِيَسْتَرِيحَ. وَهُوَ مُسْتَفْعَلٌ مِنَ الرَّاحَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَسْتَرِيحُ مِنْ تَعَبِ صُعُودِهِ عَلَى المِنْبَرِ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ نَفَسُهُ. وَأَصْمْلُهُ: مُسْتَرْوَحٌ، فَنُقِلَتْ فَتْحَةُ الْوَاوِ إِلَى الرَّاءِ قَبْلَهَا، ثُمَّ قُلِبَت الْوَاوُ أَلِفًا.
قَوْلُه: "مِنْ غَيْرِ تَغَنِّ وَلَا تَمْطِيطٍ" (¬51) التَّغَنِّى: مَعْرُوفٌ، وَهُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِمَا يُطْرِبُ، وَالتَّمْطِيطُ: التَّمْدِيدُ، يُقَالُ: مَطَّهُ يَمُطُّهُ: إِذَا مَدَّهُ وَتَمَطَّطَ، أَيْ: تَمَدَّدَ (¬52).
قَوْلُهُ: "تَنَفَّسْتُ" (¬53) أَيْ: تَمَهَّلْتُ. قَالَ الْجَوْهَرِىُّ (¬54): يُقَالُ: فِي هَذَا الْأمْرِ نُفْسَة، أَيْ: مُهْلَة، وَأنْتَ فِي نَفَسٍ مِنْ أمْرِكَ، أَيْ: فِي سَعَةٍ (¬55).
قَوْلُهُ: "مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ" قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أيْ مَخْلَقَةٌ (¬56)، وَكُلُّ شَيْىءٍ دَلَّكَ عَلَى شَيْىء فَهُوَ مَئِنَّةٌ لَهُ، وَأَنْشَدَ (¬57):
وَمَنْزِلٍ مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ ... مَئِنَّةٌ مِنْ مَرَاصِيدِ الْمَنِيَّاتِ
وَيُقَالُ: هَذَا الْمَسْجِدُ مَئِنَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَأَنْتَ مَئِنَّتُنَا وَعُمْدَتُنَا. وَحَقِيقَتُهُ: أَنَّهَا "مَفْعِلَةٌ" مِنْ مَعْنَى "إنَّ" التَّأْكِيدِيَّةِ، غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ مِنْ لَفْظِهَا؛ لأنَّ الْحُرُوفَ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَإنَّمَا ضُمِّنَتْ حُرُوفَ تَرْكِيبِهَا ذَكَرَهُ فِي اْلفَائِقِ (¬58). وَكَذَا قَوْلُ الْجَوْهَرِىِّ (¬59) هِىَ "مَفْعِلَةٌ" مِنْ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ اْلمُشَدَّدَةِ، كَمَا تَقُولُ: مَعْسَاةٌ مِنْ كَذَا وَمَظِنَّة، وَهُوَ مِبْىٌّ مِنْ عَسَى وَظَنَّ (¬60).
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (¬61): يَعْنِى: أَنَّ هَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى فِقْهِ الرَّجُلِ. قَالَ أَبُو مَنْصُور (¬62): جَعَلَ أَبُو
¬__________
(¬44) من خطبته - صلى الله عليه وسلم - وانظر صحيح مسلم 2/ 592 والترمذى 8/ 239 وسنن ابن ماجة 2/ 807.
(¬45) تهذيب اللغة 3/ 72.
(¬46) ع: هذا.
(¬47) كذا في النهاية 3/ 108 واللسان (ضيع 2625).
(¬48) من قوله في المهذب 1/ 112: في الخطبة: وسننها أن تكون على منبر.
(¬49) ع: ونبرة الحرف همزته. والمثبت من خ والصحاح.
(¬50) في المهذب 1/ 112: ويجلس على الدرجة التى تلى المستراح.
(¬51) في المهذب 1/ 112: قال الشافعى رحمه الله: ويكون كلامه مترسلا مبينا من غير تغن ولا تمطيط؛ لأنَّ ذلك أحسن وأبلغ.
(¬52) الصحاح و (مطط).
(¬53) في المهذب 1/ 112: روى أن عثمان (ر) خطب وأوجز فقيل له: لو كنت تنفست، فقالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: قصر خطبة الرجل: مئنة من فقهة.
(¬54) الصحاح (نفس).
(¬55) الصحاح (وسع).
(¬56) ع: أنه لخليق. والمثبت من خ والفائق 1/ 63 والنقل عنه.
(¬57) من غير نسبة في الفائق واللسان (أنن 155) ورواية اللسان (المئنات).
(¬58) 1/ 63.
(¬59) في الصحاح (مأن).
(¬60) ذكر الجوهرى هذا على أن الميم زائدة، وسيأتى له أن الميم أصلّية.
(¬61) في غريب الحديث 4/ 61 وعبارته: قال أبو زيد: قوله "مئنة" كقولك: مخلقة لذلك ومجدرة لذلك ومحراة، ونحو ذلك. قال الأصمعى: قد سألنى شعبة عن هذا، فقلت: "مئنة" هى علامة لذاك خليق لذاك. قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يعرف به فقه الرَّجل ويستدل به عليه، وكذلك كلّ شيىء دلك على شىء فهو مئنة له.
(¬62) الأزهرى في تهذيب اللغة 15/ 102.

الصفحة 111