كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

قَوْلُهُ: "أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ" (¬16) أَىْ: جَعَلَ الله لَكَ خَلَفًا يَجِىءُ بَعْدَكَ يَكُونُ عِوَضًا لَكَ مِمَّنْ مَاتَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ؛ لِتَكْثُرَ الْجِزْيَةُ، وَلَا تَنْقُصُ (¬17) بِمَن مَاتَ. وَقَالَ الْقُتَيْبِىُّ (¬18): يُقَالُ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَال أوْ وَلَدٌ، بِمَا يُسْتَعَاضُ مِنْهُ، وَخَلَفَ اللهُ عَلَيْكَ: لِمَنْ هَلَكَ لَهُ وَالِدٌ أوْ عَمٌّ. أَىْ: كَانَ اللهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ مِنَ الْمَفْقُودِ (¬19).
قَوْلُهُ: "مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَلا نِيَاحَةٍ" (¬20) قَدْ ذَكَرْنَا النِّيَاحَةَ (¬21)، وَأَمَّا النَّدْبُ، فَهُوَ: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَتَعْدَادُ مَحَاسِنِهِ يُقَالُ: نَدَبَهُ ندْبًا، وَالاسْمُ: النُّدْبَةُ، بِالضَّمِّ. وَأَصْلُ النَّدْبِ: أَثَرُ الْجُرْحِ (¬22) شَبَّهَ مَا كَانَ (¬23) يَجِدُهُ مِنَ الْوَجْدِ وَالْحُزْنِ بِأَلمِ الْجُرْحِ وَوَجَعِهِ.
قَوْلُهُ (¬24): "لَا نُغْنى عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا" أَىْ: مَا تَنْفَعُكَ، يُقَالُ: مَا يُغْنىِ عَنْكَ هَذَا، أَىْ: مَا يُجْزِئُكَ وَلَا يَنْفَعُكَ، قَالَ الله تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (¬25) أَىْ: مَا نَفعَ وَمَا أَجْزَأَ (¬26) عَنْهُ.
قَوْلُهُ (¬27): "وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" هُوَ: النَّعْىُ وَالنَّدْبُ الَّذِى كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ مَدْحِ الْمَيِّتِ وَذِكْرِ أَفْعَالِهِ وَسَخَائِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (¬28): "وَإِنَّا إِنْ شَاء اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ" قِيلَ مَعْنَاهُ: إِذْ شَاءَ الله. وَقِيلَ: مَعْنَى الاسْتِثْنَاءِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: "عَنْ قَرِيبٍ" فَإِنَّهَ لا يُعْلَمُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: "بِقِيعِ الْغَرْقَدِ" قَدْ ذَكَرْنَا الْبَقِيعَ (¬29)، وَأَنَّهُ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ، وَخُصَّتْ بِالْغَرقَدِ (¬30)، لِكَثْرَةِ نَبَاتِهِ فِيهَا. قَالَ الزمَخْشَرِىُّ (¬31): الْغَرقَدُ: مِنَ العِضَاهِ (¬32)، وَقِيلَ: هِىَ كِبَارُ الْعَوْسَجِ.
قَوْلُهُ: "حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ" (¬33) مَعْنَاهُ: حَتَّى تَصِلَ. وَخَلَصَ إلَيْهِ الشَّىْءُ: وَصَلَ (¬34).
قَوْلُهُ: "يَدُوسُهُ" (¬35) دَاسَهُ: وَطِئَهُ (¬36) بِرِجْلِهِ يَدُوسُهُ دَوْسًا، وَمِنْهُ: دَوْسُ الطَّعَامِ (¬37).
قَوْلُهُ: (¬38) "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِى وَثَنًا" الْوَثَنُ: الصَّنَمُ، وَالْجَمْعُ: وُثْنٌ وَأَوْثَانٌ (¬39). وَقِيلَ: الْوَثَنُ: مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ، وَالصَّنَمُ: مَا كَانَ مُصَوَّرًا (¬40).
¬__________
(¬16) فى المهذب 1/ 139: وإن عزى كافرا بكافر، قال: أخلف الله عليه ولا نقص عددك.
(¬17) ع: ممّن مات.
(¬18) فى غريب الحديث.
(¬19) كذا فى إصلاح المنطق 255 والنهاية 2/ 66 وجمهرة اللغة 3/ 437 وأفعال السرقسطى 1/ 445، 446 وتهذيب اللغة 7/ 296.
(¬20) فى المهذب 1/ 139: ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة.
(¬21) ص 133.
(¬22) فى الصحاح: والندب: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
(¬23) كان: ليس فى خ.
(¬24) فى المهذب 1/ 139: روى جابر (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: يا إبراهيم إنا لا نغنى عنك من الله شيئًا ثم ذرفت عيناه.
(¬25) سورة المسد آية 2.
(¬26) ع: أجزى. والمثبت من خ والصحاح (جزى).
(¬27) روى ابن مسعود (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وانظر الحديث فى صحيح البخارى 2/ 103 والمهذب 1/ 138.
(¬28) فى المهذب 1/ 139: روت عائشة (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن إلى الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. وانظر الحديث فى صحيح مسلم 3/ 63، 64.
(¬29) ص 133.
(¬30) ع: وخص.
(¬31) فى الفائق 3/ 60.
(¬32) ع: هى من العضاه. والمثبت من خ والفائق.
(¬33) خ "إلى جسده" وفى المهذب 1/ 139: روى أبو هريرة (ر) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر.
(¬34) عن الصحاح (خلص).
(¬35) فى المهذب 1/ 139: ولا يدوسه (يعنى القبر) من غير حاجة؛ لأن الدوس كالجلوس.
(¬36) ع: وطأه: خطأ.
(¬37) فى المصباح: داس الرجل الحنطة يدوسها دوسا ودياسا مثل الدارس ومنهم من ينكر كون الدياس من كلام العرب، ومنهم من يقول: هو مجاز وكأنه مأخوذ من داس الأرض دوسا: إذا شدد وطأه عليها بقدمه.
(¬38) فى المهذب 1/ 139: ويكره أن يبنى على القبر مسجدًا؛ لما روى أبو مرثد الغنوى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلّى إليه وقال لا تتخذوا قبرى وثنًا.
(¬39) مثل أسدّ وأسد وآساد كما فى الصحاح (وثن).
(¬40) النهاية 5/ 151 والمصباح (صنم، وثن) وكتاب الأصنام 33.

الصفحة 137