كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

مِنْ بَابِ الْمَوَاقِيتِ
قَالَ الْجَوْهَرِىُّ (¬1): الْمِيقَاتُ: الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْلِ، وَالْمَوْضِعِ. يُقَالُ: هَذَا مِيقَاتُ أهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَهُوَ: الْمَوْضِعُ الَّذِى يُحْرِمُونَ مِنْهُ. يُقَالُ: وَقَتَهُ -بِالتَّخْفِيفِ- فَهُوَ مَوْقُوتٌ: إِذَا بَيَّنَ لِلْفِعْلِ وَقْتًا يُفْعَلُ فِيهِ، أو مَوْضِعًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬2).
قَوْلُهُ: "وَقَتَ لِأهْلِ نَجْدٍ" (¬3) أَيْ: بَيَّنَ لَهُمْ مَوْضِعًا لِوَقْتِ إِحْرَامِهِمْ. وَقَالَ فِى الْفَائِقِ (¬4): وَقَتَ الشَّيء، وَوَقَّتَهُ: إِذَا بَيَّنَ حَدَّهُ، ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا}. وَفِى الْحَدِيثِ: "لَمْ يَقِتْ فِى الْخَمْر حَدًّ" (¬5) أىْ: لَمْ يَحُدّ، وَالْمِيقَاتُ: يَكُونُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَمِيقَاتُ الصَّلَاةِ: يُرَادُ بِهِ الَزّمَانَ، وَفِى الْحَج: يُرَادُ بِهِ الْمَكَانَ. وَأصْلُهُ: مِوْقَاتٌ -بِالْوَاوِ- فَانْقَلَبَتْ يَاءً، لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَذَكَرَ الْبُخَارِىُّ: إنَّمَا سُمىَ الْيَمَنْ (يَمَنًا) (¬6) لِأنَّهُ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ، وَسُمِّىَ الشَّامُ شَامًا؛ لِأنَّهُ عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ (¬7). وَالْيُسْرَى: هِىَ الشُّؤْمَى، ضِدُّ الْيُمْنَى (¬8). وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: شَآمٌ -بِالْهَمْزِ وَالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَشَأْمٌ -بِالْهَمْزِ وَالسُّكُونِ، وَشَامٌ- بِتَرْكِ الْهَمْزِ (¬9).
قَوْلُهُ: "قَرَن" بالْفَتْحِ: مِيقَاتُ أهلِ نَجْدٍ، وَمِنْهُ سُمِّىَ "أوَيْسٌ الْقَرَني" هَكَذَا ذَكَرَهُ (¬10) فِى الصَّحَاحِ (¬11). وَقَالَ الصَّغَانيُّ (¬12): الصَّوَابُ فِى الْمِيقَاتِ "قَرْن" بِسُكُونِ الراء (¬13)، فَأمَّا "أُوَيْسٌ" فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى قَرَنِ بْنِ رَدْمَانَ بْنِ نَاجِيَةِ بْنِ مُرَادَ (¬14). أخْبَرَني مَنْ شَاهَدَ مَسْجِدَ أُوَيْسٍ فِى رَدْمَانَ، وَذَكَرَ أَنَّ آثارَهُ مَشْهُورَةٌ هُنَالِكَ (¬15)، مَعَ حَدِيثٍ يَطولُ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الضَّغَانِىُّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَائِكِ أَنَّهُ مِنْ حِمْيَرَ، وَدَخَلَ فِى بَنى نَاجِيَةَ مِنْ (¬16) مُرَاد.
قَوْلُهُ: "يَلَمْلَمُ" يُقَالُ فِيهِ: يَلَمْلَمُ وَأَلمْلَمُ (¬17).
قَوْلُهُ: "لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ" (¬18) هُمَا: الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ. وَالْمِصْرُ: الْبَلَدُ الْعَظيمُ، سُمىَ مِصْرًا؛ لِأنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ إلَيْهِ، أي: يَجْتَمِعُونَ، كَمَا سُمِّىَ الْمِعَى الْمَصِيرُ؛ لِأنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهِ الطعَامُ وَالشَّرابُ (¬19) وَمَعْنَى "فُتِحَ المِصْرَانِ" أىْ: (بُنىَ الْمِصْرَانِ) (¬20): لأنَّ الْمُسْلِمِينَ بَنَوْهُمَا، وَلَم يَفْتَحُوهُمَا.
¬__________
(¬1) فى الصحاح (وقت).
(¬2) سورة النساء 103 وانظر مجاز القرآن 1/ 139 ومعاني الزجاج 2/ 108 وتفسير غريب القرآن 135 والعمدة 115.
(¬3) فى المهذب 1/ 203: روت عائشة (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرنا. . . إلخ.
(¬4) 4/ 75.
(¬5) غريب الخطابى 1/ 621 والنهاية 5/ 212.
(¬6) من ع.
(¬7) انظر معجم ما استعجم 1401.
(¬8) ع: اليمين.
(¬9) الصحاح (شأم) وانظر الكتاب 3/ 231 وإصلاح المنطق 180.
(¬10) ع: ذكر.
(¬11) فى الصحاح (قرن).
(¬12) فى التكملة.
(¬13) فى معجم ما استحجم 1068 بفتح القاف والراء، وصححه القزاز بإسكان القاف.
(¬14) جمهرة الأنساب 407.
(¬15) ع: هناك.
(¬16) ع: ابن.
(¬17) معجم ما استعجم 187، 1398.
(¬18) فى المهذب 1/ 203: روى عن ابن عمر (ر) قال: لما فتح المصران أتَوْا عمر (ر) فقالوا إن رسل الله - صلى الله عليه وسلم - حد لأهل نجد قرنا وإنا إذا أردنا أن نأتي قرنا شق علينا. . . إلخ.
(¬19) انظر الصحاح (مصر) واللسان (مصر 4215).
(¬20) خ: بلد المصرين: تحريف.

الصفحة 187