كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

قَوْلُهُ: "وَفِى كُلِّ صَعُودٍ وَهَبُوطٍ" بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْهَاءِ وَهُمَا ضِدَّانِ: اسمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِى يُصْعَدُ فِيهِ وَيُهْبَطُ مِنْهُ وَهُوَ الْعَقَبَةُ (¬38)، وَبِالضم: الْمَصْدَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (¬39) أىْ: مَشَقَّة مِنَ الْعَذَابِ. وَيُقَال: هُوَ جَبَلٌ فِى النَّارِ.
قَوْلُهُ: "إذَا رَأى رَكْبًا" (¬40) هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ رَكِبُوا عَلَى الِإبِلِ خَاصَّةً فِى السَّفَرِ (¬41)، وَهُمُ الْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا، وَالرَّكَبَةُ بِالتَّحْرِيكِ: أقَل مِنَ الرَّكْبِ (¬42).
قَوْلُهُ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ" (¬43) الْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ (¬44)، وَقَدْ عَجَّ يَعِجُّ عَجِيجًا وَعَجْعَجَ أَىْ: صَوَّتَ، وَمُضَاعَفَتُهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرِيرِ (¬45). وَالثَّجُّ: سَيَلَانُ دِمَاءِ الْهُدَى، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَاءً ثَجَّاجًا} (¬46) أىْ: سَائِلًا (¬47)، وَمَطرٌ ثَجَّاج: إِذَا انْصَبَّ جِدًّا (¬48). وَأتَانَا الْوَادي بِثَجِيجِهِ أىْ: بِسَيْلِهِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ "إِنَّمَا أثُجُّ ثَجًّا" (¬49).
قَوْلُهُمْ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ" (¬50) قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى لَبَّيْكَ: أنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ، وَنُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، مِنْ لَّبَّ بِالْمَكَانِ: إذَا أَقَامَ بِهِ وَلَزِمَهُ. وَيُقَالُ: كَانَ حَقُّهُ أنْ يُقَالَ: لَبَّالَكَ: فَثَنَّى عَلَى التَّأكِيدِ أىْ: إلْبَابًا لَكَ بَعْدَ إلْبَابٍ، وَإِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ (¬51).
وَقَالَ الْخَلِيلُ: هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارُ فُلَانٍ تُلِبُّ دَارِى، أىْ: تُحَاذِيهَا (¬52) أَىْ: أنَا مُوَاجِهُكَ بِمَا تُحِبُّ (¬53) إِجَابَةً لَكَ. وَالْيَاءُ لِلتَّثْنِيَةِ (¬54) وَقِيلَ: أَصْلُهُ لَبَّبَ (فَاسْثقَلُوا) (¬55) الْجَمْعُ بَيْنَ ثَلَاثِ يَاءاتٍ، فَأبْدَلُوا مِنَ الأخِيرَةِ يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنَّيْتُ، وَأَصْلُهُ: تَظَنَّنْتُ (¬56). وَفِيهِ أرْبَعَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا (¬57): الِإقَامةُ وَاللُّزومُ، كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ (¬58)، وَالثَّاني: الْمُوَاجَهَةُ، أَىْ: اتِّجَاهِى (¬59) وَقَصْدِى إِلَيْكَ، كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ، وَالثَّالِثُ: إخْلَاصِى لَكَ يَارَبُّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَسَبٌ لُبَابٌ، أَىْ: خَالِصٌ. وَالرَّابعُ: مَحَبَّتِى لَكَ مِن قَوْلِهِمْ: امْرَأةٌ لَبَّةٌ: إِذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ (¬60).
وَمَعْنَى "سَعْدَيْكَ" إسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ، مِنَ الْمُسَاعَدَةِ وَالْمُوَافَقَةِ (¬61) عَلَى الشَّيْءِ.
¬__________
(¬38) فى إصلاح المنطق 334: وهى العقبة الشاقة المصعد.
(¬39) سورة المدثر آية 17 قال ابن قتيبة: أي: عقبة شاقة ونرى أصل هذا كله من الصعود؛ لأنه شاق فكنى به عن المشقات تفسير غريب القرآن 491، 496.
(¬40) فى المهذب 1/ 206: روى جابر (ر) قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبى إذا رأى ركبا أو صعد أكمة أو هبط واديا وفى أدبار المكتوبة وآخر الليل.
(¬41) ابن السكيت: تقول: مر بنا راكب: إذا كان على بعير. والركب: أصحاب الإبل وهو العشرة فما فوقها والأركوب أكثر من الركب والركبة: أقل من الركب والركاب: الإبل. إصلاح المنطق 338 وانظر الصحاح عنه (ركب).
(¬42) انظر التعليق السابق.
(¬43) فى المهذب 1/ 206: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الحج العج والثج".
(¬44) الصحاح (عجج) والغريبين 1/ 275 والنهاية 1/ 208 والعين 1/ 77 والمخصص 1/ 133 والمحكم 1/ 24 وأفعال السرقسطى 1/ 207.
(¬45) الصحاح (عجج).
(¬46) سورة النبأ آية 14.
(¬47) تفسير غريب القرآن 508 والغريبين 1/ 274، ومعانى الفراء 3/ 227.
(¬48) عن الصحاح "ثجج".
(¬49) الغريبين 1/ 275 والنهاية 1/ 207.
(¬50) فى المهذب 1/ 206: والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك.
(¬51) الفاخر 4 - 6 والزاهر 1/ 197 وغريب الحديث 3/ 15 والفائق 2/ 179 والصحاح (لبب- لبى) واللسان (لبب 3979).
(¬52) غريب الحديث 3/ 15. والفاخر 4 والصحاح (لبب) واللسان (لبب 3980) والمصباح (لبب).
(¬53) ع: يجب: تحريف.
(¬54) عن الصحاح (لبب).
(¬55) خ: واستثقلوا.
(¬56) هذا ما نقله أبو عبيد مما يحكى عن الخليل. غريب الحديث. ونقله فى الصحاح، واللسان ونقله المفضل عن الأحمر فى الفاخر وتبعه ابن الأنبارى فى الزاهر. وقول المصنف: وقيل يوم أنه مذهب آخر.
(¬57) أحدها: ساقط من ع.
(¬58) تابع فى ذلك الجوهرى فى الصحاح (لبب) وهذا مشهور عن الخليل كما حكى عنه أبو عبيد وغيره وانظر المراجع السابقة.
(¬59) ع: التجاني: تحريف والمثبت من خ والفاخر ص 5 والزاهر 1/ 197. فى حكاية قول آخر كما ذكر فى الفاخر.
(¬60) المراجع السابقة.
(¬61) ع: المرافقة.

الصفحة 190