كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

قَوْلُهُ: "إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ" (¬62) يُرْوَى بِكَسْرِ إِنَّ وَفَتْحِهَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: الاخْتِيارُ: كَسْرُ إِنَّ وَهُوَ أجْوَدُ مِن مَعْنَى الْفَتْحِ؛ لأنَّ الَّذِى يَكْسِرُ، إِنَّ يَذهَبُ إِلَى أنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلى كُلِّ حَالٍ، وَالَّذِى يَفْتَحُهَا، يَذْهَبُ إِلَى أنَّ الْمَعْنَى: لَبَّيْكَ لأنَّ الْحَمْدَ لَكَ، أيْ: لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ (¬63). قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ: لأنَّهُ إذَا قَالَ: لَبَّيْكَ، فَقَدْ تَم كَلَامُ الْمُلبِّى عَلَى قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ، وَمَعْنَاهُ: إنِّى لَبَّيْتُكَ لَا لِعِلَّةٍ وَلَا لِفِعْلٍ فَعَلْتُهُ مِنَ الْجَمِيلِ، بَلْ (لِحُبِّ) (¬64) الِإقَامَةِ عَلَى طَاعَتِكَ، لَا لِسَبَبٍ وَلَا لِطَلَبِ مُجَازَاةٍ، (بَلْ) (¬65) ابْتِدَاءً إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ. وإِذَا فَتَحَ صَارَتْ "أنَّ" الَّتِى لِلْعِلَّةِ (¬66)، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَبَّيْكَ لأجلِ عَطيَّةٍ أو دَفْعِ بَلِيَّةٍ، فَصَارَتْ التَّلْبِيَةُ فِى مُقَابَلَةِ شَىْءٍ، لَا مُجَردَةَ. وَمَعْنَى الْكَسْرِ مُجَرَّدٌ؛ لِأنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى كُل حَالٍ، يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ وَذَاتِهِ. وَقَوْلُ (¬67) مُحَمَّدٍ بنِ الْحَسَنِ (¬68): الْكَسْرُ ثَنَاءٌ: وَالْفَتْحُ صِفَةٌ، يَعُودُ إِلَى هَذَا. وَيَجُوزُ رَفْعُ "النِّعْمَةِ" عَلَى الابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ، أيْ، إِنَّ (¬69) الْحَمْدَ لَكَ (¬70)، وَالنعْمَةُ لَكَ (¬71).
قَالَ ابْنُ الأنبارِىِّ: وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا، قَالَ (¬72): وَعَلَى هَذَا، فَمَوْضِعُ "أنَّ" الْخَفْضُ عِنْدَ الْكِسَائيِّ بِإِضْمَارِ الْخَافِضِ، وَالنصْبُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ بِحَذْفِ الْخَافِضِ.
فِى تَلْبِيَةِ ابْنِ عُمَرَ (¬73): "وَالرُّغْبَى (¬74) إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ" قَالَ ابْنُ السِّكِّيت: الرُّغْبَى وَالرَّغْبَاءُ، كَالنُّعْمَى وَالنَّعْمَاءِ (¬75). وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ: رَغِبَ رَغْبَةً وَرَغْبَى، كَمَا يُقَالُ: شَكْوَى (¬76).
قَوْلُهُ: "وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ" (¬77) فِيهِ رِوَايَتَانِ: فَتْحُ الْيَاءِ وَكَسْرُ الرَّاءِ، وَضَمُّ الْيَاءِ وَفَتْحُ الرَّاءِ، فَمَنْ قَالَ "يَصْرِفُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ، فَمَعْنَاهُ: يُنَحُّونَهُمْ عَنْهُ، وَأسْقَطَ الْمَفْعُولَ، أو يَنْقلِبُونَ وَيَنْصَرِفُونَ بأنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ لِكَثْرَتِهِمْ وَتَرَاكُمِهِمْ عَلَيْهِ. وَمَنْ قَالَ بِالضَّمِّ، فَهُوَ لِمَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ، أيْ: يُقْلَبُونَ (¬78) فَيَمْضُونَ لِشَأنِهِمْ.
قَوْلُهُ: "يَتَرَفَّهُ" (¬79) أىْ: يَتَنعَّمُ، وَالرَّفَاهِيَةُ: النِّعْمَةُ، بِالْفَتْحِ، يُقالُ: هُوَ فِى رَفَاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، أَيْ: سَعَةٍ، وَفِى الْحَدِيثِ: "أنَّهُ نَهَى عَن الِإرْفَاهِ" (¬80) وَهُوَ التَّدَهُّنُ وَالتَّرْجِيلُ كُلَّ يَوْمٍ، يُقَالُ: رَفَاهَةٌ وَرَفَاهِيَةٌ
¬__________
(¬62) فى المهذب 1/ 206 فى التلبية: لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
(¬63) من الزاهر 1/ 198.
(¬64) خ: تحب.
(¬65) خ: ثم.
(¬66) ع: إني ألبى للعلة.
(¬67) ع: وقال.
(¬68) محمد بن الحسن الشيباني نسبة إلى شيبان وكان مولى لهم ولد بواسط ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث وجالس أبا حنيفة وسمع منه، ونظر فى الرأي فغلب عليه وعرف به. وقدم بغداد فنزلها وسمع منه الحديث والرأي وولى قضاء الرقة ومات بالرى سنة 189 هـ أنظر ترجمته فى المعارف 500.
(¬69) ع: إنه.
(¬70) لك: ساقط من ع.
(¬71) عبارة ابن الأنبارى فى الزاهر: 1/ 199: يجوز: لبيك إن الحمد والنعمة لك برفع النعمة باللام، على أن تضمر لا ما تكون خبرا وترفع النعمة باللام الظاهرة، ويجوز أن تجعل اللام الظاهرة خبر إن وترفع النعمة باللام المضمرة، والتقدير: لبيك إن الحمد والنعمة لك.
(¬72) فى فتح إن وكسرها من القول إن الحمد والنعمة لك.
(¬73) فى المهذب 1/ 207 قال الشافعي رحمه الله: فإن زاد على هذا فلا بأس لما روى أن ابن عمر (ر) كان يزيد فيها لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغبة إليك والعمل.
(¬74) ع: الرغباء: وهى رواية للحديث كما فى النهاية 2/ 237 والأم 2/ 132 والترمذى 4/ 41 وابن ماجة 2/ 974 والنسائى 5/ 159.
(¬75) لم أجد هذا القول لابن السكيت وفى المنقوص والممدود للفراء 26 مما يفتح فيمد ويضم فيقصر: الرغبى والرغباء والنعمى والنعماء، ومثله فى ابن ولاد 46.
(¬76) العين 4/ 413 وفى المحكم 5/ 304 الرَّغْبُ وَالرُّغْب والرَّغَبُ والرَّغْبَةُ وَالرَّغبوت والرُّغْبَى والرَّغْبَاء والرَّغْبى: الضراعة والمسألة. وانظر اللسان (رغب 1678) وانظر المصباح والقاموس (رغب).
(¬77) فى المهذب 1/ 207: وإذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة لما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هم فيه فقال: لبيك إن العيش عيش الآخرة.
(¬78) ع: يغلبون.
(¬79) فى المهذب 1/ 207: وإذا أحرم الرجل حرم عليه حلق الرأس ويحرم عليه حلق شعر سائر البدن؛ لأنه حلق يتنظف به ويترفه به.
(¬80) غريب الحديث 2/ 107 والفائق 2/ 71 والنهاية 2/ 247.

الصفحة 191