كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

هَا هُنَا: الْعَمَلُ، يُقَالُ: سَعَىَ يَسْعَى: إذَا عَمِلَ وَكَسَبَ، وَسَعَىَ: إذَا عَدَا، وَمِنْهُ السَّعْىُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (¬90) وَمَعْنَى "مَشْكُورًا" أَىْ: يُثْنَى عَلَى (¬91) عَامِلِهِ وَيُشْكَرُ. وَ"الشُّكْرُ": هُوَ الثَّنَاَءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ مِمَّنْ أحْسَنَ الَيْهِ.
قَوْلُهُ (¬92): "وَاضْطَبَعَ" (¬93) الاضْطِبَاعُ: افْتِعَالٌ مِنَ الضَّبْعِ وَهُوَ: الْعَضُدُ (¬94)؛ لأنَّه يَجْعَلُ رِدَاءَهُ تَحْتَ ضَبْعِهِ؛ أو لإنَّه يَكْشِفُ ضَبْعَهُ (¬95). أُبْدِلَتْ التَّاءُ طَاءً مَعَ الضَّادِ، كَالْاضْطِمَام (¬96) (وَالاضْطِلَاعِ) (¬97) بِالأمرِ، وَهوَ التَّوَشُّحُ وَالتَّأبُّطُ أيْضًا (¬98).
قَوْلُهُ: "فِى الأشْوَاطِ الأرْبَعَةِ" (¬99) وَاحِدُهَا: شَوْطٌ، يُقَالُ: عَدَا شَوْطًا، أَىْ: طَلَقًا، وَهُوَ - هَا هُنَا: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ بَيْنَ الْحَجَرَيْن (¬100).
قَوْلُهُ: "خَلْفَ الْمَقَام" (¬101) الْمَقَامُ- هَا هُنَا، بِالْفَتْحِ: مَوْضِعُ الْقِيَام، مَعْنَاهُ: حَيْثُ قَامَ إِبراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬102) وَقَدْ قُرِئَ بِالضَّمِّ (¬103): أرَادَ مَوْضِعَ إقَامَتِهِ؛ لأنَّك إذَا جَعَلْتَهُ مِنْ قَامَ يَقُومُ: فَهُوَ مَفْتُوحٌ، وَإذَا جَعَلْتَهُ مِنْ أقَامَ يُقِيمُ: فَهُوَ مَضْمُومٌ؛ لِأنَّ الْفِعْلَ إذَا جَاوَزَ، الثَّلاثةَ فَالْمَوْضِعُ مِنْهُ مَضْمُومٌ.
قَوْلُهُ: "ثُمَّ يَسْعَى" (¬104) يُقَالُ: سَعَىَ الرَّجُلُ سَعْيًا: إذَا عَدَا (¬106) وَسَعَىَ أيْضًا: إذَا عَمِلَ وَاكْتَسَبَ وَالسَّببَ فِى ابْتِدَائِهِ: أنَّ هَاجَرَ أُمَّ إسْمَاعِيلَ، لَمَّا عَطِشَ ابنُهَا، وَهِىَ مُقِيمَةٌ بِهِ (¬107) عِنْدَ مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَخَافَتْ أنْ يَمُوتَ مِنَ الْعَطَش: ذَهَبَتْ تَستغِيثُ، فَصَعَدَتْ أقرَبَ جَبَلٍ إلَيْهَا، وَهُوَ: الصَّفَا، تَسْتَغِيثُ وَتَنْظُرُ هَلْ تَرَى أحَدًا، فَلَا تَنْظُرُ، فَتَنْزِلُ مِنْهُ. وَتَسْعَىَ إِلَى الْمَرْوَةِ فَتَستغِيثُ (فَتَنْظُرُ) (¬108) فَلَا تَرَى أَحدًا، فَتَرْجِعُ وَتَسْعَى حَتى تَأْتِيَ الصَّفَا، حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ الْمَلَكِ قَدْ ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ جَنْبَ (¬109) إِسْمَاعِيلَ، فَأتتْ هُنَالِكَ (¬110)، فَوَجَدَت الْمَاءَ مَوْضِعَ زَمْزَمَ (¬111) وَسَبَتُ الْهَرْوَلَةِ: أَنَّهَا إِذَا صَارَتْ فِى بَطْنِ الْوَاىِ الْمُنْخَفِضِ، لَا تَرَى وَلَدَهَا، فتُهَرْوِلُ وَتُسْرِعُ تَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الرَّبْوَةِ الْمُرْتَفِعَةِ عَنْ مَسِيلِ (¬112) الْمَاءِ، فَتَرَى وَلَدَهَا، فَتُهَوِّنُ فِى السَّيرِ.
وَالأصْلُ فِى سُنَّةِ الرَّمَلِ: أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى أن يَدْخُلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا (¬113)، قَالَ الْمُشرِكُونَ: انْظُرُوا إلَيْهِمْ (¬114) -تَعْنى أَصْحَابَهُ- قَدْ نَهَكَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَامُوا مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ (¬115) يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَطوفُون بِالْبَيْتِ، فَأوحَى اللهُ إلَى النَّبِيِّ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ،
¬__________
(¬90) النهاية 1/ 117 وغريب ابن الجوزى 1/ 65 وصحيح مسلم 2/ 983.
(¬91) من ع.
(¬92) الفاخر 134 والزاهر 1/ 109 - 111 والصحاح (غفر).
(¬93) شرح ألفاظ المختصر لوحة 74 والصحاح (سعى).
(¬94) على: ساقط من ع.
(¬95) قوله: ليس فى ع.
(¬96) فى المهذب 1/ 223: وإذا اضطبع ورمل فى طواف القدوم نظرت فإن سعى بعده لم يعد الرمل والاضطباع.
(¬97) خلق الإنسان لثابت 250 ومبادئ اللغة 46.
(¬98) شرح ألفاظ المختصر لوحة 72 وتهذيب اللغة 1/ 485 والصحاح والمصباح (ضبع).
(¬99) افتعال من الضم.
(¬100) خ: والاططباع: سهو.
(¬101) غريب الحديث 4/ 192 وشرح ألفاظ المختصر 72 والنهاية 3/ 73.
(¬102) فى قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. سورة البقرة 125. وانظر الكشف 2/ 195.
(¬103) فى المهذب 1/ 223: لو جاز أن يقضى الرمل لقضاه فى الأشواط الأربعة.
(¬104) المصباح والصحاح (شوط).
(¬105) فى المهذب 1/ 223: روى جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين.
(¬106) فى المهذب 1/ 224: ثم يسعى وهو ركن من أركان الحج.
(¬107) ع: فى.
(¬108) خ: وينظر.
(¬109) ع: حيث.
(¬110) ع: هناك.
(¬111) أنظر تاريخ الطبرى 1/ 251 - 259.
(¬112) ع: سبيل.
(¬113) فى عمرة القضاء فى ذي القعدة سنة سبع.
(¬114) ع: يعنى الصحابة.
(¬115) على لفظ تصغير قعقعان: جبل بمكة. معجم ما استعجم 1086 وانظر أسماء جبال تهامة وسكانها نوادر المخطوطات 2/ 419.

الصفحة 206