كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

فَأمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا؛ لِيُرُوهُمْ الْقُوَّةَ وَالْجَلَدَ. فَقَالُوا حِينَ رَأَوهُمْ يَرْمُلُونَ: وَاللهِ مَا بِهِمْ مِنْ بَأسٍ، وإنْ هُمْ إِلا كَالْغِزْلَانِ (¬116).
قَوْلُهُ (¬117): {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬118) أىْ: قُدْوَةٌ. تُضَمُّ وَتُكْسَرُ (¬119).
قَوْلُهُ (¬120): "نَبْدَأُ بِالَّذِى (¬121) بَدَأ اللهُ بِهِ" أيْ: بَدَأ بِذِكْرِهِ فِى الْقُرْآنِ، حَيْثُ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬122).
قَوْلُهُ: "وَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا" يُقَالُ: رَقِىَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالْيَاءِ فِى الْمَاضِى يَرْقَى بِفَتْحِهَا وَالألِف فِى الْمُسْتَقْبَلِ، رَقْيًا وَرُقِيًا: إِذَا صَعِدَ، وَارْتَقَى مِثْلُهُ (¬123). وَلَا يُقَالُ: رَقَى- بِفَتْحِ الْقَافِ إلَّا مِنَ الرُّقْيَةِ، فَإنَهُ يُقَالُ: رَقَى يَرْقَى رُقْيَةً، وَرَقَأ الدَّمُ يَرْقَأُ- بِالْهَمْزِ: إذَا انْقَطَعَ (¬124)، يُقَالُ فِى الإبِلِ (¬125): "إنَّ فِيهَا رَقُوءَ (¬126) الدَّم" لأنَّهَا تُؤْخَذُ فِى الدِّيَةِ، فَيَنْقَطِعُ الْقِتَالُ.
قَوْلُهُ (¬127): "صَدَقَ وَعْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ" صَدَقَ: أنْجَزَ وَلَمْ يَكْذِبْ فِيمَا وَعَدَ، بِقَوْلِهِ [تَعَالَى]: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (¬128) وَالصَّدِيقُ: الَّذِى (¬129) يَصْدُقُ فِى الْمَوَدَّةِ، وَالصِّدِيقُ: الدَّائِمُ التَّصْدِيقِ.
"وَهَزَمَ" الْهَزِيمَةُ: الْفِرَارُ وَالْهَرَبُ عَنِ (¬130) القِتَالِ. وَالأحْزَابُ: جَمْعُ حِزْبٍ، وَهُمْ: الطَّائِفَةُ. وَتَحَزَّبُوا وَتَجَمعُوا: وَاحِدٌ. وَالأحزَابُ الطوَائِفُ الَّتِى تَجْتَمِعُ عَلَى مُحَارَبَةِ الأنبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ (¬131) وَالْأحْزَابُ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا وَتَجَمَّعُوا عَلَى النَّبِىِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬132) يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، فَهَزَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى، فَقَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (¬133).
قَوْلُهُ: "وَحْدَهُ" كَلِمَةٌ يُوْصَفُ بِهَا الْوَاحِدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ؛ لأنَّهُ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى، اكْتِفَاءُ بِتَثْنِيَةِ الْمُضْمَرِ الْمُضَافِ إليْهِ، وَمَعْنَاهُ: اتِّحَادٌ، أيْ: انْفِرَادٌ. وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ، بمَعْنَى مَوْحَدٍ وَمَفْرَدٍ. وَقِيلَ: عَلَى الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى اتِّحَادٍ وَانْفِرَادٍ (¬134).
قَوْلُهُ: "بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ" (¬135) فِنَاءُ الدَّارِ: مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا، وَالْجَمعُ: أَفْنِيَةٌ (¬136).
قَوْلُهُ: "يَوْمَ التَّرْوِيَةِ" (¬137) فِيهِ تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: (أَنَّهُ) (¬138) مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّوِيَّةِ، وَهِىَ التَّفَكُّرُ فِى
¬__________
(¬116) انظر سيرة ابن هشام 2/ 371 وتاريخ الطبرى 3/ 23 - 26.
(¬117) فى المهذب 1/ 224: قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
(¬118) سورة الأحزاب آية 21.
(¬119) إصلاح المنطق 115 وأدب الكاتب 540 والصحاح والمصباح (أسو).
(¬120) فى المهذت 1/ 224 روى جابر (ر) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نبدأ بالذى بدأ الله به: وبدأ بالصفا حتى فرغ من آخر سعيه على المروة.
(¬121) خ: بما.
(¬122) سورة البقرة آية 158.
(¬123) الصحاح والمصباح (رقى) والمحكم 6/ 309.
(¬124) إصلاح المنطق 152، 334 وأدب الكاتب 475 والعين 5/ 211.
(¬125) فى الحديث: "لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم" النهاية 2/ 248 وإصلاح المنطق 152، 334 والصحاح "رقأ".
(¬126) ع: رقية: تحريف.
(¬127) فى المهذب 1/ 224 ويرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبله ويقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. . . . لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
(¬128) سورة الفتح آية 27.
(¬129) الذى: ساقط من ع.
(¬130) ع: عند.
(¬131) الصحاح (حزب).
(¬132) ع: صلى الله عليه وسلم.
(¬133) سورة الأحزاب آية 9.
(¬134) انظر الكتاب 1/ 377، 378 والعين 3/ 281 والمحكم 3/ 377.
(¬135) فى المهذب 1/ 225: فإذا فرغ من الدعاء نزل من الصفا وتمشى حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو من ستة أذرع.
(¬136) الصحاح (فنى).
(¬137) فى المهذب 1/ 225: روى ابن عباس (ر) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم التروية بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
(¬138) من ع.

الصفحة 207