كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

وَسُمىَ يَوْمُ الْقَرِّ؛ لأنَّ الْحَاجَّ (¬225) يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنىً وَلَا يَنْفِرُونَ. وَيَوْمُ (¬226) النَّفْرِ، بِسُكُونِ الْفَاءِ. وَيُقَالُ: يَوْمُ النَّفَرِ بِالتَحْرِيكِ، وَيَوْمُ النُّفُورُ، وَيَوْمُ النَّفِيرِ، عَنْ يَعْقُوبَ (¬227) وَأصْلُهُ: مِنْ نَفَرَت الدَّاَّبةُ نُفُورًا وَنِفَارًا: إذا عَدَتْ مَخَافَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ (¬228) حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (¬229).
وَسُمِّيَتْ الْجِمَارُ؛ لِأن آدَمَ عَلَيْهِ السَلَامُ رَمَى إبلِيسَ فَأَجْمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ (¬230)، فَسُميَّتْ الْجمَارُ بهِ، أيْ: أسْرَعَ، قَالَ لَبِيد (¬231):
وَإذَا حَرَّكْتُ غَرْزِى أجمَرَتْ ... أَوْ قَرَا بِى عَدْوُ جَوْنٍ قَدْ أبَلْ
قَالَ الزَّمَخْشَرِىُّ (¬232). وَقَالَ الأزْهَرِىُّ (¬233): أَجْمَرَ إجْمَارًا: إذَا عَدَا عَدْوًا شَدِيدًا، وَجَمَّرَ الْقَائِدُ الْجَيْشَ: إذَا جَمَعَهُمْ فِى ثَغْرٍ، فَأطالَ حَبْسَهُمْ، وَعَدَّ فُلَانٌ إبِلَهُ جِمَارًا: إذَا عَدَّهَا مُجتَمِعَةً، وَعَدَّهَا نَظَائِرَ: إذَا عَدَّهَا مَثْنَى مَثْنَى. وَقَالَ الأصْمَعِىُّ: جَمَّرَ بَنُو فُلَانٍ: إِذَا اجْتَمَعُوا فَصَاروا أَلْبًا عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَمَرَاتُ الْعَرَبِ سِمِّيَتْ جَمَرَات؛ لاجْتِمَاعِ كُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لَا تُحَالِفُ وَلَا تُجَاوِرُ قَبِيلَةً أُخْرَى (¬234). فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ الاجْتِمَاعُ لِلرَّمْىِ.
وَأَمَّا الأصْلُ فِى رَمْىِ الْجِمَارِ، فَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ (¬235): لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أَتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأراهُ الطوَافَ، ثُمَّ أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا، وَقَالَ: ارْم وَكَبِّرْ، فَرَمَى (236) وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ، حَتَّى غَابَ الشَّيْطَانُ، ثمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا وَقَالَ له: ارْمِ وَكَبِّر، فَرَمَى (¬236) وَكَبرَّا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى غَابَ الشيْطَانُ، ثُمَّ أَتَى بِهِ (¬237) الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى، فَفَعَلَ كذلك. هَذَا الأصْلُ فِى شُرُوعِ الرمْىِ، كَمَا أَنَّ الأصْلَ فِى شُرُوعِ السَّعْىِ: سَعْىُ هَاجَرَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ. وَكَذَلِكَ أَصْلُ الرمْلِ: أنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ هُوَ وَأصحَابُهُ مَكَةَ فِى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ تَقَدُّمُ (¬238) قَومٍ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى (¬239) يَثْرِبَ، فَأمرَهُمْ النَّبِىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَرْمُلُوا وَقَدْ ذُكِرَ (¬240) وَهَذَا مَذْكُورٌ فِى الصَّحِيحَيْنِ (¬241).
ئُمَّ زَالَتْ هَذِهِ الأشْيَاءُ وَبَقِيَتْ آثَارُهَا وَأَحْكَامُهَا، وَرُبَّمَا أشْكَلَتْ هَذِهِ الأمُورُ عَلَى مَنْ يَرَى صُوَرَهَا وَلَا يَعْرِفُ أسبَابَهَا، فَيَقولُ: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَمَنْ عَرَفَ الأسْبَابَ لَم يَسْتَنْكِرْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سَبَبَ رَمْى الْجِمَارِ: أَنَّ إِبراهِيمَ عَلَيْهِ السلَامُ نَفَرَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَكَان يَتْبَعُهُ بالْجمَارِ، وَهِىَ الْحَصَىَ؛ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ.
¬__________
(¬225) ع: الناس. وفى الصحاح: يوم القر اليوم الذى بعد يوم النحر؛ لأن الناس يقرون فى منازلهم وانظر شرح ألفاظ المختصر لوحة 76.
(¬226) ع: يوم.
(¬227) عن الصحاح (نفر) وانظر إصلاح المنطق 377.
(¬228) كأنهم ليس فى ع.
(¬229) سورة المدثر الآيتان 50، 51. وانظر مجاز القرآن 2/ 276 ومعاني الفراء 3/ 206 وتفسير غريب القرآن 498 والعمدة 323.
(¬230) فى الحديث: "إن آدم عليه السلام رمى إبليس بمنى فأجمر بن يديه" الفائق 1/ 236 والنهاية 1/ 236 والنهاية 1/ 292 واللسان (جمر 676).
(¬231) ديوانه 176.
(¬232) فى الفائق 1/ 236.
(¬233) فى شرح ألفاظ المختصر 76 وتهذيب اللغة 11/ 74.
(¬234) كله عن الأزهرى وانظر غريب الخطابى 2/ 313 واللسان (جمر 676).
(¬235) أبو مجلز: لاحق بن حُمَيد بن سدوس بن شيبان الفقيه الراوى توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز المعارف 466.
(¬236) ع: فرميا.
(¬237) به: ساقط من ع.
(¬238) ع: هذا قدم قوم.
(¬239) فى صحيح البخارى 5/ 81: إنه يَقْدَم عليكم وَقْدٌ وهنهم حمى يثرب. كذا وفى الحاشية: فى نسخة، وهنتهم، ويروى أوهنتهم.
(¬240) ص 205، 206، 207.
(¬241) صحيح البخارى 5/ 181: وصحيح مسلم 64/ 4. وانظر تاريخ الطبرى 3/ 23 - 26.

الصفحة 212