كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

وَهُوَ الَّذِى أَرَادَ الشَّيخُ. وَمَعْنَى زَالَتِ الشَّمْسُ: أَى انْحَطَّتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، وَمَالَتْ إلَى المَغرِبِ وَالْفَىْءُ يَكُونُ فِي زَمَانٍ دُوْن زَمَانٍ، وَبِلَادٍ دُوْن بِلَادٍ. وَأصْلُ الْفَىءِ: الرُّجُوعُ، يُقالُ: فَاءَ إِذَا رَجَعَ وَسُمِّىَ الظِّلُّ فَيْئًا؛ لِأنَّهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. وَالْفَىْءُ: الْغَنِيمَةُ أيْضًا، كِلَاهُمَا سَوَاءٌ. بِالْهَمْزِ (¬10).
قَؤلُهُ: "الْعَتَمَةُ" (¬11) قَالَ الْخلِيلُ (¬12): الْعَتَمَةُ: الثُّلُثُ الأوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ. وَقَدْ عَتَمَ اللَّيْلِ يَعْتِمُ، وَعَتَمُهُ: ظَلَامُهُ. وَالْعَتَمَةُ أيْضًا: بَقِيَّةُ اللَّبَنِ تُفِيقُ بِهِ النَّعَمُ تِلْكَ السَّاعَةِ (¬13)، يُقَالُ: حَلَبْنَا عَتَمَةً. وَالْعَتُومُ: النَّاقَةُ الَّتِى لَا تَدِرُّ إِلَّا عَتَمَة، يُقَالُ جَاءَنَا ضَيْفٌ عَاتِمٌ (¬14). وَقِرَئ عَاتِمٌ، أيْ: بَطِىءٌ، وَقَدْ عَتَّمَ قِرَاهُ: أَيْ أَبْطَأ (¬15). وَأصْلُهُ: ذَلِكَ الْوَقْتُ.
وَأمَّا الشَّفقُ: فَهُوَ بَقِيَّةُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَحُمْرَتُهَا فِي أوَّل اللَّيْلِ إلى قَرِيبٍ مِنَ الْعَتَمَةِ. وَقَالَ الخَلِيلُ (¬16): الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَإِذَا ذَهْبَ قِيلَ: غَابَ الشَّفَقُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ (¬17): سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: عَلَيْهِ ثَوْبٌ [مَصْبُوغٌ] (¬18) كَأنَّهُ الشَّفَقُ، وَكَانَ أحْمَرَ (¬19). وَالعِشَاءَانِ: الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: عِشَاءُ الآخِرةِ.
قَوْلُهُ (¬20): "شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" مَأخُوذٌ مِنْ فَاحَ الطِّيبُ: إِذَا تَضَوَّعَ، يُقَالُ: فَاحَتْ رِيحُ الْمِسكِ تَفِيحُ وَتَفُوحُ فَيْحًا وَفَوَحَانًا: إِذَا ظَهَرَتْ. وقالَ اللَّيْثُ (¬21): الْفَيْحُ: سُطُوعَ الْحَرِّ. يُقَالُ: فَاحَتِ الْقِدْرُ تَفِيحُ: إِذَا غَلَت. وَفَاحَتْ الشَّجَّةُ: إذَا نَفَخَتْ بِالدَّمِ (¬22).
قَوْلُهُ: "خُضَّتْ بِالتَثْوِيبِ" (¬23) التَّثْوِيبُ: قَوْلُ الْمُؤَذنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِّنَ النَّوْمِ، (¬24). وَمَعْنَى التَّثْوِيبِ: الرجُوعُ؛ لِأنَّهُ رَجَعَ إلَى ذِكْر الصَّلَاةُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْهُ في قَوْلِهِ: حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ.
(¬25) "ويُقَالُ": ثَابَ إلَى الْمَكَانِ: إذَا رَجَعَ. وَفِى الْمَثَلِ: "ثَابَ الفَهْمُ بَعْدَ مَا نَفَذَ السَّهْمُ" (¬26) قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} (¬27) أَيْ: يَرْجِعُونَ إلَيْهِ بِحَجِّهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ.
وَأنْشَدَ الشَّافِعِىُّ (¬28):
مَثَابًا لِأفْنَاءِ الْقَبَائِلِ بَعْدَمَا ... تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمَلَاتُ الذَّوَابِلُ
¬__________
= ورواية الخطابى وابن السكيت كما هنا وبدل (شمس) برد. وكذا في الصحاح واللسان (فيأ).
(¬10) مجاز القرآن 1/ 73، 2/ 72، 219 والمراجع السابقة.
(¬11) في المهذب 1/ 52: ويكره أن يسمى العشاء: العتمة.
(¬12) في العين 2/ 82.
(¬13) والعرب يقولون: استعتموا نعمكم حتّى تفيق ثمّ احتلبوها. تهذيب اللغة 2/ 288 والمحكم 2/ 45 والصحاح واللسان (عتم).
(¬14) في المحكم 2/ 45: أى مقيم.
(¬15) السابق واللسان (عتم 2803).
(¬16) العين 5/ 45 وذكره الفيومى في المصباح (شفق) وابن منظور عن التهذيب في اللسان (شفق 2292).
(¬17) في معان القرآن 3/ 251.
(¬18) تكملة من معانى القرآن.
(¬19) نصّ الفراء: الشفق: الحمرة. وكان بعض الفقهاء يقول: الشفق: البياض؛ لأن الحمرة تذهب إذا أظلمت. وإنما الشفق البياض الذى إذا ذهب صلّيت العشاء الآخرة. والله أعلم بصواب ذلك وسمعت. . . إلخ. وعن الزجاج: الشفق: النهار، وبه فسر قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} وعن أبي هريرة أنه البياض، وبه قال أبو حنيفة لكنه رجع عنه. وهو الحمرة التى ترى بعد مغيب الشمس عند ابن قتيبة. تفسير غريب القرآن 521 أنظر المحكم 6/ 107 والمصباح والمغرب (ضفق) وقيل: هو من الأضداد يقع على الحمرة وبه أخذ الشافعى وعلى البياض وبه أخذ أبو حنيفة أنظر اللسان (شفق 2292).
(¬20) - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، المهذب 1/ 53 والحديث في البخارى مواقيت 1/ 142 ومسند أحمد 2/ 229 وغريب الخطابى 3/ 258، والنهاية 3/ 484.
(¬21) تهذيب اللغة 5/ 262 والعين 3/ 307.
(¬22) تهذيب اللغة عن الأصمعي وأبى زيد 5/ 262، والمحكم 3/ 346 واللسان (فيح 3497).
(¬23) في المهذب 1/ 53 الصُّبح يدخل وقتها والناس في أطيب نوم. . . ولهذا خصت بالتثويب.
(¬24) الزاهر 1/ 143.
(¬25) خ: الذى.
(¬26) لم أعثر بعد على هذا المثل.
(¬27) سورة البقرة آية 125.
(¬28) ذكره الأزهرى في شرح ألفاظ المختصر لوحة 24 وتهذب اللغة 15/ 151 وفيه: =

الصفحة 53