كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

{فَطَرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬18) ابْتَدَأ خَلْقَهُمَا. فَطَرَ (¬19) الشَّيْىءَ: ابْتَدَأهُ واخْتَرَعَهُ وَهُوَ الْخَلْقُ أيْضًا. وَقَدْ فَطَرَهُ يَفْطُرُه -بِالضَّمِّ- أَيْ: خَلَقَهُ. وَالفِطرةُ بِالْكَسْرِ: الخِلْقَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: كُنْتُ لَا أدَرِى مَا {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬20) حَتى أَتَانِى أَعْرَابِيَّانِ يَختَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أحَدُهُمَا: أَنَا فَطرتُهَا، أَيْ: ابتدَأتُهَا (¬21).
{حَنِيفًا} أَيْ: مُسْتَقِيمًا ثَابِتًا (¬22). {نُسُكِي} عِبَادَتِى، وَمَا أتَقَرَّبُ بهِ (¬23). {رَبِّ الْعَالَمِينَ} مَالِكِهِمْ. يُقَالُ: رَبُّ الدَّارِ وَرَبُّ الْعَبْدِ، أَيْ: مَالِكُهُ (¬24). وَ {الْعَالَمِينَ} الجِنِّ وَالإِنْس، وَاحِدُهُم: عَالَمٌ (¬25). {أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} أَيْ: الْمُنْقَادِينَ لِأمْرِ اللهِ (¬26)، الْخَاضِعِينَ لِطَاعَتِهِ.
"لَبَّيْكَ وَسَعْدَيِكَ" أصْلُهُ: مِنْ ألَبِّ بِالْمَكَانِ: إذَا أقَامَ بِهِ، وَمَعْنَاهُ: الإِجَابَةُ، وَثنَّى عَلَى مَعْنَى: إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ، وَإسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ: لَبَّبَ، فَاسْتُثْقِلَتْ ثَلَاثُ بَاءَاتٍ، فَأبْدِلَتِ الثَّالِثَةُ يَاءً، كَمَا يُقَالُ: تَظَّنَّيْتُ فِي تَظَنَّنْتُ (¬27). وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ بِأكْثَرَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللهُ.
قَوْلُهُ: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ" أَيْ: لَيْسَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بهِ إِلَيْكَ، وَإِنَّمَا يُتَقَربُ إِلَيْكَ بِالْخَيْرِ. وَقِيلَ: لَا يُضَافُ إِلَيْكَ، وَإِنْ كُنْتَ خَلَقْتَهُ؛ لِأنَّهُ لَا يُضَافُ إِلَيْكَ إِلَّا الْحَسَنُ. كَمَا يُقَالُ: يَا خَالِقَ النُّورِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَلَا يُقَالُ: يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِير، وَإِنْ كَانَ خَالِقَهَا (¬28).
قَوْلُهُ: "وَأَتُوبُ إِليْكَ" أيْ: أرْجَعُ إِلَى طَاعَتِكَ. وَالتَّائِبُ: الرَّاجِعُ إِلَى طَاعَةِ رَبَهِ بَعْدَ مَعْصِيَتِهِ وَخَطِيئَتِهِ (¬29).
قَوْلُهُ: "أَعُوذُ بِاللهِ" مَعْنَاهُ: أَلْجَأ. وَعُذْتُ بِهِ، أيْ: لَجَأتُ إلَيْهِ (¬30).
وَفى اشْتِقَاقِ (الشَّيْطَانِ) وَجْهَان: قِيلَ: إِنَّهُ مُشْتَقُّ مِنْ "شَاطَ" أَيْ: هَلَكَ وَاحْتَرَقَ، فَنُونُهُ زَاِئِدَةٌ (¬31).
قال (¬32):
. . . . . . . . . . . ... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أرْمَاحِنَا الْبَطَلُ
¬__________
(¬18) سورة الأنعام آية 79.
(¬19) ع: ففطر.
(¬20) أول سورة فاطر.
(¬21) الإتقان في علوم القران 2/ 4 وانظر مجاز القرآن 1/ 187 ومعانى الزجاج 2/ 255 وتفسير غريب القرآن 151.
(¬22) أصل الحنف: الميل وقيل لإبراهيم - عليه السلام - الحنيف لأنّه عدل عن دين النصارى. ولما عدل العرب عن عبادة الأصنام الى الإسلام سموا: حنفاء وأصبحت الحنفية تعنى الاستقامة على دين الإسلام. انظر مجاز القرن 1/ 58 ومعانى الزجاج 1/ 194 وتفسير غريب القرآن 64 والبحر المحيط 1/ 406 وتفسير الطبرى 3/ 104 - 108 وتهذيب اللغة 5/ 110 وجمهرة اللغة 2/ 178.
(¬23) مجاز القرآن 1/ 209 وتفسير الطبرى 3/ 79 وتفسير غريب القرآن 164 وتهذيب اللغة 10/ 73 والنهاية 5/ 48.
(¬24) كلمة رب إذا أضيفت الى ما بعدها تكون بمعنى المالك لما تضاف إليه عاقلا أو غير عاقل نحو رب المال ورب الدين فإذا قرنت بأل اختصت بالله تعالى. وقد تكون أل عوضا عن الإِضافة مثل "هو الرب والشهيد عليكم" أى السيد انظر تفسير غريب القرآن 9 والزاهر 1/ 575 - 577 وتهذيب اللغة 15/ 177 والمصباح (ربب).
(¬25) مجاز القرآن 1/ 22 وتفسير غريب القرآن 38 ومعانى الزجاج 1/ 8 وتفسر الطبرى 1/ 143 - 146.
(¬26) ع: لأمره.
(¬27) الفاخر: والزاهر 1/ 169 - 202 وتهذيب الألفاظ 447.
(¬28) النهاية 2/ 458 واللسان (شرر 2231).
(¬29) تفسر الطبرى 1/ 547، 548 ومجاز القرآن 1/ 39 واللسان (ثوب 454).
(¬30) تفسير الطبرى 1/ 111 والعين 2/ 229 وتهذيب اللغة 3/ 147 والمحكم 2/ 241.
(¬31) ذكره ابن الأنبارى في الزاهر 1/ 150 وشرح السبع الطوال 196 وانظر تفسير الطبرى 1/ 111 والمصباح (شطن وشيط).
(¬32) الأعش. ديوانه 113 وصدره: قَدْ نَخْضَبُ الْعَيْرَ مِنْ مَكْنُونِ فَائِلِهِ ... . . . . . . . . . . . ذكره في الزاهر 1/ 150 =

الصفحة 77