كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (اسم الجزء: 1)

قَوْلُهُ: "الْقَاصِيَةُ مِنَ الْغَنَمِ" هِىَ الْبَعِيدَةُ، يُقَالُ: قَصَا الْمَكَانُ يَقْصُو قُصُوًّا، أَيْ (¬11): بَعُدَ، فَهُوَ قَصِىٌّ وَقَاصٍ، وَأرْضٌ قَاصِيَةٌ، وَقَصِيَّةٌ، وَقَصَوْتُ عَنِ الْقَوْم: تَبَاعَدْتُ (¬12). وَمَعْنَاهُ: أنَّ مَنْ تَرَكَ الجَمَاعَةَ: دَخَلَ عَلَيْه الْفَسَادُ في دِيِنِهِ، كَمَا أنَّ الشَّاةَ مِنَ الغَنَمِ إِذَا تَبَاعَدَتْ عَنْهَا: اسْتَمْكَنَ مِنْها الذِّئْبُ.
قَوْلُهُ: "أَزْكَى مِنْ صَلَاِتهِ وَحْدَهُ" (¬13) أيْ: أَكْثَرُ وَأَوفَرُ، مِنْ زَكَا الْمَالُ: إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، وَمِنْهُ سُمِّيَت الزَّكَاةُ؛ لأنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ (¬14).
قَوْلُهُ: "تَخْتَلُّ" (¬15) مَعْنَاهُ: تَفْسُدُ وَتَبْطُلُ. وَأصْلُهُ مِنَ الْخَلَّةِ، وَهِىَ: الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَيْسَ فِيهَا شَيْىءٌ، فَشَبَّهَ اخْتِلَالَ الْجَمَاعَةِ وَبُطلَانَهَا بِهَا.
قَوْلُهُ (¬16): "إِلَّا عَجُوزًا فِي مَنْقَلَيْهَا" الْمَنْقَلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ (¬17): الْخُفُّ، ذَكَرَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَجَائِزِ فِي لُبْسِ الْمَنَاقِلِ وَهِىَ الخِفَافُ. قَالَ أبُو عُبَيْدٍ (¬18): لَوْلَا أَنَّ الرِّوايَةَ قَد اتَّفَقَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ (¬19) مَا كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ عِنْدِى إِلَّا كَسْرُهَا.
قَوْلُهُ: "الْوَحلُ" بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا: لُغَتَان (¬20).
قَوْلُهُ: "صَلَّوا فِي رِحَالِكُمْ" (¬21) أرَادَ بِهَا الْبُيُوتَ. يُقَالُ لِبَيْتِ الإِنْسَانِ، وَمَسْكَنِهِ، وَمَنْزِلِهِ: رَحْلُهُ، وَالْجَمْعُ: رِحَالٌ. وَإنَّهُ لَخَصِيبُ الرَّحْلِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "إذَا ابْلَّت النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ": أى فِي الدُّورِ وَالْمَسَاكِن. وَسُمِّيَتْ (¬23) بِذَلِكَ؛ لأنَّ الرِّحَالَ تُلْقَى بِهَا. وَهُنَاكَ حَذْفَ مُضَافٍ، كَأنَّهُ أرَادَ: فِي مَوَاضِعِ (¬24) رِحَالِكُم، وَحَيْثُ تُلْقُونَهَا وَتَحُطُّونَهَا.
قَوْلُهُ (¬25): "وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَيْهِ" يُقَالُ: تَاقَتْ نَفْسِى إِلَى الشَّيْىءِ تَوْقًا وَتَوَقَانًا، أَيْ: اشْتَاقَتْ يُقَالُ: "الْمَرْءُ تَوَّاقٌ إِلَى مَا لَمْ يَنَلْ" (¬26).
قَوْلُهُ: "الْأخْبَثَيْن" وَلَمْ يَقُلْ "خَبِيثيْن" لِأنَّ أفْعَلَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْفِعْلِ (¬27) عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأنَّهُمَا أَخْبَثُ النَّجَاسَاتِ وَأَدْنَى الْمُسْتَقْذَرَاتِ.
¬__________
(¬11) خ: إذا.
(¬12) الصحاح "قصو".
(¬13) في المهذب 1/ 93: روى أبي بن كعب (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى.
(¬14) الزاهر 2/ 186، 187 وغريب ابن قتيبة 2/ 36 وتفسيره 31، 32 ومجاز القرآن 1/ 397، 410.
(¬15) خ: تختل بقطعها وفي المهذب 1/ 93: فإن كان في جواره مسجد تختل فيه الجماعة، ففعلها في مسجد الجور أفضل.
(¬16) في المهذب 1/ 93: روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى النساء عن الخروج إِلا عجوزًا في منقلبها".
(¬17) بوزن جعفر. والقياس منقل بالكسر لأنّه آلة. المصباح (نقل).
(¬18) في غريب الحديث 4/ 70 وتناقله عنه الرواة.
(¬19) بعده: جميعا على فتح الميم ما. . . كما في غريب الحديث. وإنما نقله عن الصحاح هنا. وانظر الفائق 1/ 119 والنهاية 4/ 365 واللسان (نقل 4530).
(¬20) في الصحاح: والوحل بالتسكين لغة رديئة. وفرق ابن قتيبة بين الاسم والمصدر فجعل الفتح للمصدر والإسكان للاسم، وقرر الفيومى أنهما لغتان. أدب الكاتب 384 والمصباح (وحل) واقتصر في العين 3/ 301 وتهذيب اللغة 5/ 250 والمحكم 4/ 10 على الفتح.
(¬21) في المهذب 1/ 94: وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء المطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة لما روى ابن عمر (ر) كنا إذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة نادى مناديه أن صلوا في رحالكم.
(¬22) الفائق 4/ 3 والنهاية 5/ 82 والنعال ها هنا جمع نعل وهو ما غلظ من الأرض في صلابة.
(¬23) خ: سميت.
(¬24) ع: موضع.
(¬25) خ: نفسه. وفي المهذب 1/ 94: ومنها [الأعذار] أن يحضر الصام ونفسه تتوق إليه أو يدافع الأخبثين.
(¬26) الصحاح (توق) واللسان (توق 456) وديوان الأدب 3/ 357.
(¬27) خ: الفضل.

الصفحة 98