كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 1)

ش: قوله "ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة" إلى قوله "ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد ولا إرادته مثل إرادته ولا محبته مثل محبته ولا رضاه مثل رضاه" هذا شروع في التمثيل لكون الله سبحانه وصف نفسه بصفات ووصف عباده بصفات، وقوله: "ومعلوم......الخ" لف ونشر مرتب، فبعد أن ذكر الآيات الدالة على صفة المشيئة والإرادة والمحبة والرضا قال: ومعلوم أن صفة الله المضافة إليه ليست مثل الصفة المضافة إلى العبد بل لكل منهما ما يناسبه.
والإرادة لفظ فيه إجمال فيراد بها الإرادة الكونية الشاملة لجميع الحوادث كقول المسلمين "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" وكقول الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} وقول نوح عليه السلام {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إن أَرَدْتُ أن أنصَحَ لَكُمْ إن كان اللَّهُ يُرِيدُ أن يُغْوِيَكُمْ} ولا ريب أن الله قد يأمر العباد بما لا يريده بهذا التفسير فإن الإرادة الكونية ليست مستلزمة للأمر، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} فدل على أنه لم يؤت كل نفس هداها مع أنه قد أمر كل نفس بهداها، وكما اتفق العلماء على أن من حلف بالله ليقضين دين غريمه غداً إنشاء الله وليردن وديعته أو غصبه أو ليصلين الظهر أو العصر إن شاء الله، أو ليصومن رمضان إن شاء الله، ونحو ذلك مما أمره الله به، فإنه إذا لم يفعل المحلوف عليه لا يحنث مع أن الله أمره به لقوله إن شاء الله فعلم أن الله لم يشأه مع أمره به.
ويراد بها الإرادة الدينية وهي التي بمعنى المحبة والرضا: وهي ملازمة للأمر كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ومنه قول المسلمين: هذا يفعل شيئا لا يريده الله، إذا كان يفعل بعض الفواحش، أي أنه لا يحبه ولا يرضاه بل ينهى عنه ويكرهه. وقوله: وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم بالمقت"

الصفحة 61