كتاب إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى (اسم الجزء: 1)

الخطيب السلطاني وامتلأ الجامع واختلفت المجامع وتوجست الأبصار والمسامع وفاضت لرقة القلوب المدامع وتوسمت العيون وتقسمت الظنون وتكلموا فيمن يخطب ولمن يكون المنصب وتفاوضوا في ذلك وأطالوا التفويض وتحدثوا بالصريح والتعريض وإعلان تعلي المنبر يكسي ويجلي، والأصوات ترتفع والجماعات والأفواج تزدحم والأمواج تلتطم وللعارفين من الصحيح ما في عرفات الحجيج حتى حان الزوال وزال الاعتدال وصعد الداعي وأعجل الساعى نصب السلطان الخطب بنصبه وأبان عن اختياره بعد فحصه وأشار إلى القاضي محيي الدين أبي المعالي محمد أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الوليد بن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- ويعرف بابن الزكي عثمان القرشي، ورسم له السلطان أن يرقى ذلك المرقى بتقديمه عرقى فرقى ذلك العود، ولقي السعود واهتزت أعطاف المنبر واعتزت أطراف المعشر فخطب وأنصتوا ونطق وسكتوا وأفصح وأعرب وأبدع وأغرب وأبان عن فضل بيت المقدس وتقديسه
وتطهيره بعد تنجيسه وإخراس ناقوسه وإخراج قسسه، وكان أول ما بدأ في خطبته بعد أن استوى قائمًا من جلسته أن استفتح بقراءة سورة الفتح إلى آخرها ثم قال {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].
ثم قرأ أول سورة الأنعام إلى قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1].
ثم قرأ من سورة سبحان الذي: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 1] إلى قوله: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 1] ثم قرأ أول سورة الكهف {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] الآيات الثلاث ثم قرأ من النمل: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] الآية ثم قرأ

الصفحة 263