كتاب إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى (اسم الجزء: 1)

من الآثار الحسنة وفيما يجمع لهم ود القلوب وشكر الألسنة فما منهم إلا من أجمل وأحسن وفعل ما أمكن من كل فعل جميل ورفد جميل، وفاوض السلطان جلساءه من العلماء والأبرار والأتقياء الأخيار في بناء مدرسة للفقهاء الشافعية فأشاروا عليه بذلك وكذا رباط للصلحاء الصوفية، وله في ذلك حسن النية فعين للمدرسة الكنيسة المعروفة "بصيد حنا" عند باب الأسباط وعين دار البطرك وهي قرب كنيسة قمامة للرباط، ووقف عليهما وقوفًا كثيرة وأسدى بذلك إلى الطائفتين معروفًا، هممه العالية بها جديرة وارتاد أيضا مدارس الطوائف ليصفها إلى ما أولاه لأهل العلم والخير والدين والصلاح من العوارف، وأمر بإغلاق أبواب كنيسة قمامة وحرم على النصارى زيارتها حتى والإطاحة.
وتفاوض الناس عنده فيها، فمنهم من أشار بهدم مبانيها وتصفية آثارها وتعمية منهج مزارها وإزالة تماثيلها وإزاحة أباطيلها وإطفاء قناديلها وإذهاب تقاويلها وإكذاب أقاويلها، وقالوا: إذا هدمت مبانيها وألحقت بأسافلها أعاليها ونبشت المقبرة وعفيت وأخمدت نيرانها وأطفيت ومحيت رسومها ونسيت وحرثت أرضها ودمر طولها وعرضها وانقطعت عنها إمداد الرواد وانحسمت عن قصدها مواد وأطماع أهل النار، ومهما استمرت العمارة واستمرت الزيارة.
وقال أكثر الناس: لا فائدة في هدمها ولا هدها ولا داعية لصد الكفرة عن أبواب الزيارة بسدها؛ فإن متعبدهم موضع الصليب والنفير لا ما يشاهد من البناء ولا ينقطع عنها قصد أجناس النصرانية ولو نسفت أرضها في السماء ولما فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- القدس في صدر الإسلام أقرهم على هذا المكان، ولم يأمر بهدم البنيان وكان ذلك سببًا في إبقائها وعدم التعرض إلى هدمها، حيث وافق ذلك رأي السلطان، ومن ثم
كتبت البشائر بهذا الفتح المبين لأبواب الناصر لدين اللَّه الخليفة أمير المؤمنين، قال العماد رحمه اللَّه: وقال بعض

الصفحة 273