كتاب إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى (اسم الجزء: 1)

المسلمين وبين الفرنج ثمانية أيام متتابعة وخرج ملك الألمان وهو نوع من أكثر الفرنج عددًا وأشدهم بأسًا وعددًا.
وكان قد أزعجه أخذ بيت المقدس غاية الإزعاج فأظهر الأسف والحزن فجمع العساكر وصار قاصدًا بلاد المسلمين طامعًا في نصر أهل ملته وأخد بيت المقدس ممن هو في يده من المسلمين، وكانوا نحو من مائتى ألف وستين ألفًا فنزل ملكهم يومًا يغتسل في نهر قريب من أنطاكية فغرق في مكان لا يبلغ الماء فيه وسط الرجل وتولى بعده ولده، وأبادتهم يد القدرة الإلهية والعناية الربانية في الطريق فلم يبق منهم إلا نحو ألف رجل وصلوا إلى عكا وغادروا إلى بلادهم فغرقت بهم المراكب ولم ينج منهم أحد، وللَّه الحمد والمنة سبحانه وتعالى لا راد لأمره ولا معقب لحكمه وهو الحكم العدل.
واشتد القتال بين الفرنج الذين كانوا في عكا وأتتهم أمداد المشركين في البحر من الجزائر البعيدة حتى ملأوا البر والبحر، وجاءت السلطان أيضًا الأمداد وحرَّم بطركهم عليهم كل مباح وغلق الكنائس ولبس وألبس الحداد. وحكم عليهم أن لا يقربوا النساء، ولا يزالوا كذلك إلى أن يفتح عليهم ويصلوا إلى مقصودهم فلما كان في بعض الأيام خرجوا على حين غفلة فرجع عليهم السلطان وطحنهم طحنًا، ثم خرجوا مرة أخرى وعملوا فيها برجين عظيمين من أخشاب عاتية يشمل كل برج منها على سبع طبقات وعملوا كبشا هائلًا عملوه من خشب وجعلوا في رأسه قناطير من حديد على صفة قرون محدودة لينطحوا بها السور فينهزم فخرج عليهم المسلمون ورموا الأبراج بالأحجار وقدور النفط فاحترقوا.
وأما الكبش فإنه ساخ في الرمل لثقله، وعجزوا عن تخليصه وجرت بينهم أمور
طويلة مذكورة في كتب التواريخ وتم الحصار على عكا نحو السنتين، وقتل من الفرنج ما يزيد على مائة ألف، وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وقع الصلح بين السلطان صلاح الدين وبين الفرنج مع كراهيته.
وفي أواخر السنة

الصفحة 279