كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

وأَسْجَدَ (¬1): إِذَا انْحَنَى، وَقَال بَعْضُهُمْ: سَجَدَ: إِذَا انْحَنَى، واحْتَجَّ بِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدً} ولَمْ يُرِدْ أُمِرُوا بالدُّخُوْلِ عَلَى وُجُوْهِهِم، وإِنَّمَا أُمِرُوا بالانْحِنَاءِ، قَال حُمَيدٌ (¬3):
فُضُولَ أَزِمَّتِهَا أَسْجَدَتْ ... سُجُوْدَ النَّصَارَى لأرْبَابِهَا
وسُجُوْدُ النَّصَارَى إِنَّمَا هُوَ انْحِنَاءٌ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ تأْويلُ الآيَةِ: ادْخُلُوا البَابَ مُقَدِّرِينَ لِلسُّجُوْدِ بَعْدَ ذلِكَ، كَمَا تَقُوْلُ. سَيَخْرُجُ زيدٌ مُسَافِرًا أَي: مُقَدِّرًا ذلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬4): {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
¬__________
(¬1) على لَفْظهُ: "أَسْجَدَ" قَوْلُ أَبِي الأخْزَرِ الحِمَّانِيِّ:
فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وأَسْجَدَ رَأْسُهَا ... كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانِيَّةٌ لَمْ تُحَنِّفِ
قَال الإمَام الطبَرِي في تفسيره (2/ 104): "قَال أبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ السُّجُوْدِ الانْحِنَاءُ لِمَنْ سُجِدَ لَهُ مُعَظَّمًا بِذلِكَ، فَكُلُّ مُنْحَنٍ لِشَيءٍ تَعْظِيمًا فَهُوَ سَاجدٌ، ومَنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بجَمْعٍ تَظَلّ البُلْقُ في حَجَرَاتِهِ ... تَرَى الأكْمَ مِنْهُ سُجَّدًا للحَوَافِرِ
يَعْنِي بقوله "سُجَّدًا" خَاشِعَةً ذَلِيلَةً، ومن ذلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بن قَيسِ بنِ ثَعْلَبَةَ:
يُرَاوح منْ صَلَوَاتِ المَلِيكِ ... طَوْرًا سُجُوْدًا وَطَوْرًا جُؤَارَا
فَلذلِكَ تَأْويل ابنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: "سُجَّدًا" رُكَّعًا؛ لأنَّ الرَّاكِعَ مُنْحَنٍ، وإِنْ كَانَ السَّاجِدُ أَشَدُّ انْحِنَاءً مِنْه". والبَيتُ الأوَّلُ الَّذي أَنْشَدَهُ الطبَرِي رحمه الله لِزَيدِ الخَيلِ الطَّائيّ في ديوانه (110) والثَّاني في دِيوَانِ الأعْشَى "الصُّبْح المُنير" (41). ويُراجع: الزَّاهِرُ لابن الأنباري (1/ 141)، والأضْدَاد له (294)، والأضداد لأبي الطِّيب اللُّغَويِّ (1/ 378) ... وغيرها.
(¬2) سورة البقرة، الآية: 58، وتكررت في الأعراف، الآية: 116.
(¬3) هُوَ ابنُ ثَوْرِ الهِلَالِيُّ، ديوانه (96)، والرِّوَاية فيه: "لأحْبَارِهَا".
(¬4) سورة الأعراف، الآية: 32.

الصفحة 120