كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
لِبَعْضٍ يُرِيدُوْنَ بِهِ الخُضُوع والتَّعْظِيمَ، فَرُفِعَتْ هَذِهِ الذِّلَّةُ، وسُنَّ: "السَّلَامُ عَلَيكُم"، كَأَنَهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمِ أَن مَنْ دَخَلَ في الإسْلَامِ فَقَدْ سَلِمَ، وحَرُمَ دَمُهُ ومَالُهُ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الجِزْيَةُ، فهُوَ سَلِيمٌ آمِن في الدُّنْيَا مِمَّا عَلَى أَهْلِ الحَرْبِ، وآمنٌ في الآخِرَةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.
- وَقَوْلُهُ: "السَّلَامُ عَلَينا". قَال المُفَضَّلُ (¬1): يَعْنِي الثقلَينِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ المُومِنِينَ.
- "وعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ" يَعْنِي: المَكَئِكَةَ.
- "والنّبَيُّ" -يُهْمِزُ- فَيَكُوْنُ مِنْ أَنْبَأَ [يُنْبِيءُ]: إِذَا أَخْبَرَ، فَهُوَ فَعِيلُ بِمَعْنَى مُفْعلِ، كَمَا يُقَال: وَجِيعٌ بِمَعْنَى (¬2) مُوْجِعِ، وأَلِيمٌ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، سُمِّيَ بِذلِكَ لأنَّهُ أَنْبَأَ الخَلْقَ بِمُرَادِ الله. ولَا يُهْمَزُ فَيَكُوْنُ مُخَفَّفًا مِنَ الهَمْزَةِ، كَمَا قُرِيءَ (¬3):
¬__________
(¬1) لعلَّهُ المُفَضَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِيّ اللُّغَويُّ الإخْبَارِيُّ (ت 178 هـ). أخبارُهُ في: تاريخ بغداد (13/ 121)، ومعجم الأدباء (19/ 164)، وإنباه الرُّواة (3/ 298)، وَوَعَدَ القِفْطِيُّ بتأليفِ كِتَابٍ في أَخْبَارِهِ يُسَمِّيه "المُفَضَّلَ في أَخْبَارِ المُفَضلِ".
(¬2) في (س): "أليم بمعنى ... ووجيع بمعنى ... ".
(¬3) سورة التوبة، الآية: 37. والقِرَاءَةُ المَذْكُوْرَةُ هِيَ رِوَايَةُ عُبَيدِ بن عَقِيل، عن شِبْل، عَنْ ابن كَثيرٍ، قَال ابنُ مَجَاهِدٍ في السَّبعة (314): "وحَدَّثَنِي ابنُ أَبِي خَيثَمَةَ وإِدْرِيسٌ عن خَلَفٍ عن عُبَيدٍ عن شِبْل عن ابن كثير أنَّه قَرَأَ {إِنَّمَا النَّسِيءُ} مُشَدَّدَ اليَاءِ غَيرَ مَهْمُوْزَةٍ. وقد رُويَ عن ابن كَثِير: {النَّسْيُ} بِفَتْحِ النُّوْن وَسُكُوْنِ السِّين وضَمُ اليَاءِ مُخَففَةً. قَال: والذي قَرَأَتُ به على قُنْبلٌ: {النَّسِيءُ} بالمدّ والهَمْزِ مِثل أَبي عَمْرو. والَّذي عليه النَاس بِمَكَّةَ [مَوْطِنِ ابْنِ كَثِيرٍ] {النَّسِيءُ} مَمْدُوْدٌ. ويُراجع: الحُجَّة لأبِي عَلِي الفَارِسِيِّ (4/ 193، 194) قَال: "وَمَا روي عنه [ابن كثير] من قوله: [النَّسِيُّ] بِتَشِدِيدِ اليَاءِ فَعَلَى تَخْفِيفِ الهَمْزَةِ "فَعِيلٍ" وَلَيسَ هَذَا =
الصفحة 137