كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

يُرِيدُوْنَ نَهارًا مُعَيَّنًا، وَقَد سَمَّى اللهُ القِيَامَةَ سَاعَةً، وَلم يُرِدْ السَّاعَةَ المَعرُوْفَةَ، وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ أَيضًا: أَنَّ الرَّوَاحَ والتَّهْجِيرَ لَا يُسْتعمَلانِ في الغُدُوِّ، وأَيضًا فَقَد رَوَى أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَامَ عَلَى كُلِّ باب مِنْ أبْوَابِ المَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يكتُبُوْنَ الناسَ الأَوَّلَ فالأوَّلَ، فَالمُهجِّرُ إلَى الجُمُعَةِ كَالمُهْدِي بَدَنَةً، والَّذي يَلِيهِ كالمُهْدِي بقرَةً ... " حَتَّى ذَكَرَ البَيضَةَ فَلَم يَذْكُر في هذَا الحَدِيثِ السَّاعَاتِ، وإِنَّمَا ذَكَرَ تَرتيبَ النَّاسِ في الإقْبَالِ، والمُهجّرُ لَا يُقَالُ لَهُ: مُبَكَّرٌ، وَكَذلِكَ المُبَكِّرُ لَا يُقَالُ لَهُ: مُهجَّر، وَكَذلِكَ الرَّوَاحُ هذَا المَعرُوْفُ مِنَ اللُّغَةِ، قَال لَبِيدٌ (¬1):
وَإِنَّا وإِخْوَانًا لَنَا قَدْ تَتَابَعُوا ... لَكَلْمُغْتَدِي والرَّائِحِ المُتَهجِّرِ
وَقَال عُمَرُ بنُ أَبِي رَبِيعَةِ (¬2):
أَمِنْ آلِ نُعمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ .... غَدَاةَ غدٍ أَم رَائِح فَمُهجَّرُ
وأَمَّا حَدِيثُ: "مَنْ بكَّرَ وابْتَكَرَ" فالتَّبْكِيرُ في اللِّسَانِ في ضَربَينِ:
الخُرُوْجُ في بُكْرَة النَّهارِ، والتَّعجِيلُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ لَيلٍ أَوْ نَهار، تَقُوْلُ: أَنَا أُبكِّرُ إلَيكَ العَشِيّة، وَمِنْه باكُوْرَةُ الفَاكِهةِ لاسْتِعجَالها قبلَ غَيرِها. قَال (¬3):
¬__________
(¬1) ديوانه (57) من قَصِيدَتِهِ التِي مطْلَعها:
أَعَاذِلُ قَوْمُي فَاعذِلِي الآن أَوْ ذَرِي ... فَلَسْتُ وإنْ أَقْصَرتِ عَني بِمُقْصِرِ
(¬2) ديوانه (84).
(¬3) هو: ضَمُرَةُ بنُ ضَمُرَةَ النَّهْسَلِيُّ في الوَحشِيَّات (256) ... وغَيرِهِ، ورَبَّمَا نُسِبَتِ القَصِيدَةُ التي مِنْها البَيت لِحَرِّ بنِ ضَمُرَةَ وهو ابنُهُ. جَاءَ في نَوَادِرِ أَبِي زَيد الأنْصَارِي (143) "أخْبَرَني الرِّيَاشِي قَال أَخْبَرَنَا أَبُو زَيدٍ قَال: أَنْشَدَنِي المُفَضَّلُ لِضَمُرَةَ بنِ ضَمُرَةَ النَّهْشَلِي وهو =

الصفحة 153