كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
لِمَنْ ادَّعَى ذلِكَ عَلَى عَيسَى، وَقَد عَلِمَ اللهُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذلِكَ.
- وَقَوْلُهُ: "الوَضُوْءَ". الرِّوَايَةُ عَلَى لَفْظِ الخبَرِ، والصَّوَابُ: المَدُّ عَلَى الاسْتِفهامِ؛ لأنَّه تَوْبِيخٌ وتَعنِيفٌ كَالَّذِي قَبْله كَقَوْلهِ تَعَالى (¬1): {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وكَقَوْلهِ تَعَالى (¬2): {السِّحْرُ إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} في حَرفِ أَبِي عَمرو، ومَجَازُهُ في العَرَبِيّةِ أَنّه مُبْتَدَأٌ مَحْذُوْفُ الخَبَرِ، لِمَا في الكَلامِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيهِ، كَأَنَّهُ قَال: الوَضُوْءَ أَيضًا مِمَّا فَعَلْتَ، وَلَوْ نَصبَ لَكَانَ جَائِزًا، كَأَنَّهُ قَال: اتَّخَذْتَ الوَضُوْءَ مَعَ عِلْمِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ بالغُسْلِ.
- وَقَوْلُهُ: "مُعَجِّلًا أوْ مُؤَخِّرًا" [5]. يَجُوْزُ فِيها الفَتْحُ والكَسْرُ، والفَتْحُ عَلَى
¬__________
(¬1) سورة يونس، الآية: 59.
(¬2) سورة يونس، الآية: 81. ذَكَرَ هذه القِرَاءَة أَبو عُبَيدَةَ في مَجَازِ القُرآن (1/ 280)، قَال: "وَيَزِيدُ فِيهِ قَوْمٌ أَلِفَ الاسْتِفْهامِ كَقَوْلكَ: السحر ... " ومِثْلُهُ في مَعَانِي القُرآن وإِعرَابه للزَّجاج (3/ 30)، وقَال ابنُ مُجَاهِد في السَّبعة (328) "واخْتَلَفُوا في المدِّ وتركِ المَدِّ من قَوْلهِ: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} فَقَرَأَ أبو عَمرو وَحدَه: "آلسحرُ ... " مَمدُوْدٌ بالألفِ، وَكُلُّهم قَرَأَ: "السِّحرُ" بغَيرِ مَدٍّ عَلَى لَفْظِ الخَبَرِ. وشَرَحَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ كَلامُ ابنِ مُجَاهدٍ في كتابه الحُجةِ (4/ 290، 291). وشَرَحَهُ أَيضا ابن خَالويه في إعرَابِ القِرَاءَات السَبع وعِلَلِها (1/ 272)، قَال: "قَرَأَ أَبُو عَمرٍو وَحْدَهُ {آلسِّحرُ} بالمَدِّ جَعَلَ "مَا" بِمَعنَى أَي، والتَّقدِيرُ: أَيُّ شَيءٍ جِئْتم بِهِ؟ آلسحر هُوَ؟ كَمَا قَال تَعَالى: {أسحر هذا} وهذه الألِفُ تَوْبِيخ في لَفْظِ الاسْتِفْهامِ، فَهُم قَدْ عَلِمُوا أنه سحْرٌ". وَقَرَأَ بِهِ مِنْ غَيرِ السبْعَةِ: أَبُو جَعفر، واليَزِيدِيُّ، والشنبوْذِيُّ، ومُجَاهِدٌ، وابنُ القَعقَاعِ، وأبانٌ عن عَاصِمٍ، وَأبو حَاتِم عن يَعقُوْبَ. يُراجع: تَفْسِير الطَّبري (11/ 102)، والكشف عن وجوه القِرَاءات (1/ 521)، والمُحرر الوَجيز (777/ 195)، وزَادَ المَسِير (4/ 51)، والكشَّاف (2/ 2477)، وتفسير القُرطبي (8/ 368)، والبَحر المُحيط (5/ 182)، والدُّرُّ المَصُوْن (6/ 249)، والمُغني لابن هشام (2/ 3).
الصفحة 156