كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
والعِظَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّعبِيِّ (¬1) لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَروَانَ -وَهُوَ يَعنِي مَلِكِ الرُّوْمِ-: "إِنَّمَا كَثُرَتْ في عَينهِ؛ لأنَّه لَمْ يَرَكَ" ومِنْهُ قَولُ العبَّاسِ بنِ مردَاس (¬2):
فَإِنْ أَكُ فِي شِرَارِكُمُ قَلِيلًا ... فَإنِّي في خِيَارِكُمُ كَثيرُ
وَالثَّالِثُ: أَنْ تكُوْنَ بِمَعْنَى الفَقْرِ [تَقُولُ]: فُلانٌ يَشْكُو القِلَّةَ.
وَالرَّابعُ: أَنْ تكوْنَ بِمَعْنَى النَّفْيِ، يُقَالُ: قَلَّ رَجُلٌ يَقُوْلُ ذلِكَ إِلَّا زَيدًا، أَي: مَا يَقُوْلُ ذلِكَ إلَّا زَيدا.
- وَقَوْلُهُ: "وَمَا مِنْ دَابة إلا وَهِيَ مُصِيخَةٌ" [16]. أَي: مُسْتَمِعَةٌ، وهذِه مَسْألةٌ مِنَ العَرَبِيّة فِيها إِشْكَالٌ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "مِنْ دَابَّةِ" مَجْرُوْرٌ في مَوْضع رَفْعٍ بالابْتِدَاءِ، فَإِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ: "وَهِيَ مُصِيخَةٌ" في مَوْضِعِ خَبَرِهِ كَانَ خَطَأ؛ لأنَّ
¬__________
(¬1) هو عامُرُ بنُ شَرَاحِيلِ بنِ عَبْدِ بن ذِي كِبَار، وذُو كِبَارٍ، قَيل من أَقْيَالِ اليَمَنِ، أَبُو عَمرٍو الهمدَانِي، ثُمَّ الشَّعبِي، من كبارِ التَّابِعِين. رَوَى عَنْهُ أَنّه قَال: أَدْرَكْتُ خَمسَمَائَةِ من أصحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال ابنُ عُيَينَةَ: "عُلَمَاءُ النَاسِ ثَلاثَةُ: ابنُ عبّاسٍ في زَمَانِهِ، والشعبي في زَمَانِهِ، والثورِي في زَمَانِهِ" (ت 105 هـ). أخْبَارُهُ في: طبقَات ابن سعد (6/ 246)، وتاريخ البُخَاري (6/ 450)، وأخبارُ القُضاة (2/ 413)، وسير أعلام النُّبلاء (4/ 294)، والشَّذَرَات (1/ 126). وَرَوَى الحَافِظُ الذَّهبي في سير أعلام النّبلاء عن ابنِ عَائِشَة: وَجَّه عَبدُ المَلِكِ بنِ مَروَان الشعبِي إلى مَلِكِ الرُّوْمِ -يَعني رَسُوْلا- فلَمَّا انْصَرَفَ من عِندهِ قَال: يَا شعبي أتَدرِي مَا كَتَبَ بِهِ إلى مَلِكَ الرُّوْم؟ قَال: وَمَا كَتَبَ بِهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين؟ قَال: كُنْتُ أتعَجبُ لأهْلِ دِيَانَتِكَ كَيفَ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا عَلَيهِم رَسُوْلَكَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين: لأنَّه رَآني وَلَم يَرَكَ. أَوْرَدَها الأصمَعي وفيها: قال: يَا شعبي إِنَّمَا أَرَادَ أَن يُغْريني بِقَتْلِكَ، فَبَلَغَ ذلِكَ مَلِكُ الرُّوْمِ فَقَال: للهِ أَبُوْهُ واللهِ مَا أَردتُ إلَّا ذَاكَ".
(¬2) ديوانه (60).
الصفحة 162