كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
إِذَا وَتَرْتَ امْرَءًا فاحْذَرْ عَدَاوَاتَهُ ... مَنْ يَزْرَعِ الشَّوْكَ لَا يَحْصُدْ بِهِ عِنبَا
وَلَو قَال قَائِلٌ: إِنَّ قَوْلَهُ: "وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَاله" مِنَ المُتَعدِّي إِلَى وَاحِدٍ، وإنَّه مِنْ بَابِ قَوْلهِمْ: سَفِهَ نَفْسَهُ وَغَبِنَ رَأْيَهُ مَا كَانَ بَعِيْدًا؛ لأنَّ الوترَ يُسْتَعْمَلُ في جَمِيع أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وإِنْ كَانَ أَصْلُهُ القَتْلَ.
وأَهْلُ البَصْرَةِ يَنْصِبُوْنَ هَذَا عَلَى تَقْدِيْرِ سُقُوْطِ حَرْفِ الجَرِّ كَأَنَّه قَال: سَفِهَ فِي نَفْسِهِ، وغَبِنَ فِي رَأْيِهِ، فَيَكُوْنُ التقدِيْرُ عَلَى هَذَا: فَكَأَنَّمَا وُتِرَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ.
وَالكُوْفِيُّوْنَ يَنْصِبُوْنَ عَلَى التَّمْيِيزِ، والتَّمْيِيزُ عِنْد البَصْرِيِّيْنَ لا يَكُوْنُ مَعْرِفَة.
وَالوَجْهُ الَّذي بَدَأْتُ بِهِ أَحْسَنُ عِنْدِي. وفَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الحَدِيْثِ في "غَرِيْبِهِ" فَقَال (¬1): قَال الكِسَائيُّ: هُوَ مِنَ الوترِ، وَهُوَ: أَنْ يَجْنِيَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ جِنَايَةً، يَقْتل لَه قتِيْلًا، أَوْ يَذْهَبُ بِمَالِهِ وأَهْلِهِ، فَيُقَالُ: قَدْ وَتَرَ فُلانٌ فُلانًا أَهْلَهُ ومَالهُ.
[قَال أَبُو عُبَيْدٍ]: يَقُوْلُ: فَهَذَا الَّذِي فَاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي قَدْ وترَ فَذُهِبَ بأَهْلِهِ وَمَالِهِ. قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَال غَيْرُ الكِسَائِيِّ: وترَ أَهْلَهُ وَمَالهُ، يَقُوْلُ:
¬__________
= (3/ 172)، وهو القَائِلُ:
لا يَبْلُغُ الأعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ ... مَا يَبْلُغُ الجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ
ونُسِبَتِ القَصِيْدَةُ التي منها البَيْتَانِ في المُختار من شِعْرِ بَشَّارٍ (279)، إلى عَبْدِ الله بن المُبَارَكِ، ونَسَبَهَا القَالِي لابن قَنْبَرٍ، وَلَمْ أَجِدْهَا في دِيْوَانِ عَبْدِ اللهِ بن المُبَارَكِ. والله تَعَالى أَعْلَمُ بحَقِيْقَة الحَالِ. والبَيْتُ المُسْتَشْهَدُ به نَظْمٌ لِقَولِ الحَكِيْمِ أَكْثَمِ بنِ صَيْفِيِّ: "إِنَّكَ لا تَجْنِي مِنَ الشَّوْكِ العِنَبَ" يُراجع: أَمْثَال أَبي عُبَيْدٍ (264، 270)، وشَرْحُهُ فَصْل المقال (379)، وجَمهرة الأمثال (1/ 105)، ومَجمع الأمثال (1/ 86)، والمُسْتَقصى (1/ 416)، واللِّسان (جنى) وَأَنْشَدُوا بَيْتَ صَالح بنِ عَبْدِ القُدُّوْسِ ما عدا الميداني.
(¬1) غريب الحديث (1/ 306).
الصفحة 33