كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

حُجَّاجًا فأحرَمَ وأَحْرَمْنَا، ثُمَّ نزلَ ابنُ عَبَّاسٍ يَسُوْقُ الإبِلَ وَهُوَ يَرتَجِزُ (¬1):
وَهُنَّ يَهْمِسْنَ بِنَا هَمِيسَا ... إِنْ تَصْدُقُ الطَّيرُ نَنِكْ لَمِيسَا
فَقُلْتُ: يابنَ عَبَّاسٍ ألسْتَ مُحْرِمًا؟ ! قَال: بَلَى، إِنَّه لَا يَكُوْنُ الرَّفَثُ إلَّا مَا وَاجَهْتَ بِهِ النِّسَاءَ. وَفِي هَذِهِ الحِكَايَةَ كَمَا تَرَى فُحْشُ المَنْطِقِ، وَزَجْرُ الطَّيرِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّفَثَ كَلِمَةٌ يُرادُ بِهَا كُلُّ مَا يَفْحُشُ سَمَاعُهُ أَوْ اطلاعٍ عليه من نكَاحٍ وقَبِيحِ كَلامٍ (¬2).
- وأمَّا "الفُسُوْقُ" فَقِيلَ: إِنَّه السِّبَابُ، قَال - عليه السلام -: "سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوْقٌ" وأمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ وَحُجَّتُهُ فَلَا أَعْرِفْهَا لِغَيرِهِ، وَقَال عَطَاءٌ وَقُتَادَةُ: هو المَعَاصِي، وَقَال ابنُ عُمَرَ: هُوَ (¬3) المَعَاصِي في الحَرَمِ في صَيدٍ وغيرِهِ، والاشْتِقَاقُ يُعْطِي أَنّه الخُرُوْجُ عَنْ مَا يَجِبُ إِلَى مَا لَا يَجِبُ.
¬__________
(¬1) زاد المسير (1/ 211): "قاله ابنُ عُمَرَ، وابنُ عَبَّاس، وإبراهيمُ في آخرين" وزاد ابنُ عَطِيَّةَ في المُحرر الوَجيز (2/ 169): "مُجَاهِدًا، وَعَطَاءَ" وَذَكَر الحَدِيثَ وَيُراجع: تفسير الطبري (4/ 138، 139)، وَأَخْرَجَ ابنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وإبراهيم، وعطاء.
(¬2) قول عطاء وقتادة زاد عليهما ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 211)، الحَسَنَ، وَطَاوُوْسًا، وَمجاهدًا، وَزَادَ الطبَرِي رحمه الله ابنَ عَبَّاس، وبه بَدَأَ، وَأَخْرَجَهُ عنه (4/ 135، 136، 137)، قَال ابنُ الجَوْزِي: "وَهو الّذِي نَخْتَارُهُ".
(¬3) قَولُ ابنُ عُمَرَ في تَفسير الطَّبَرِيِّ (4/ 37، 38)، وَالمُحَرَّر الوَجيز (2/ 168)، وزادوا في معاني الفُسُوْقِ: الذَّبْحَ للأصْنامِ وهو قَوْلُ مَالكٍ، وابنِ زَيدٍ. أو التَّنَابُزَ بالألقَابِ مثل أن تقولَ لأخيكَ: يَا فَاسِقُ، يَا ظَالِمُ، رَوَاهُ الضَحاك، عن ابنِ عَبَّاسٍ (تفسير الطبري -المُحَرر الوجيز- وزاد المسير).

الصفحة 390