كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
أَنَّ أَوْقَاتًا جَمْعٌ لأدْنَى العَدَدِ، وهو مَا دُوْنَ العَشَرَةِ.
فَإِنْ قَال قَائِلٌ فَإِنَّ أَدْنَى العَدَدِ ههنَا أَشْبَهُ وأَلْيَقُ بَهَذَا المَوْضعِ؛ لأنَّ أَوْقَاتَ الصَّلاةِ خَمْسٌ، فَرِوَايَةُ ابنُ بُكَيْرٍ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللهِ وَمَنْ تَابَعَه؟
فَالجَوَاب عَنْ ذلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أحَدُهُمَا: أَنَّ الجَمْعَ الكَثيْرَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مكَانَ الجَمْعِ القَلِيْلِ، كَما يُسْتَعْمَلُ الجَمْعُ القَلِيْلُ في بَعْضِ المَوَاضِعِ مَكَانَ [الجَمْعِ] الكَثِيْرِ، فَقَدْ حَكَى الخَلِيْلُ وغَيْرُهُ [أَنَّ العَرَبَ] قَالُوا: ثَلاثَةُ كِلابٍ، والقِيَاسُ أَكْلُبٌ وَكَمَا قَالُوا في جَمْعِ يَوْمٍ: أَيَّامٌ، أَوْقَعُوْهَا للكَثيْرِ والقَلِيْلِ، ولا جَمْعَ لِيَوْمٍ غَيْرَهَا، وكَمَا قَال تَعَالى (¬1): {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} فأَوْقَعَ الغُرُفَاتِ للكَثيْرِ؛ لأنَّ غُرُفَاتِ الجَنَّةِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَلَا خِلافَ بَيْنَهُم في أَنَّ الجَمْعَ السَّالِمَ حُكْمُهُ أَنْ يَكوْنَ لِلْقَلِيْلِ، وعَلَى هَذَا حَمَلُوا قَوْلَ حَسَّانَ (¬2):
¬__________
= إِمَامًا، ولَوْ كَانَت عِنْدِي نَفَقةٌ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ". وقَال صَالحُ بنُ الإمَامِ أَحْمَدَ: "مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابنِ المُبَارَكِ مِثْلَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى". أَخْبَارُهُ في: التَّارِيْخ الكَبِيْر للبُخَارِي (8/ 310)، والجَرْح والتَّعْدِيْل (9/ 197)، وتَرْتيب المَدَارِك (3/ 216)، وتَذْكِرَةُ الحُفَّاظ (415)، وسِير أَعْلامِ النّبلاءِ (10/ 512)، وشَذَرَاتِ الذهَبِ (2/ 59).
(¬1) سَوْرَة سَبَأ.
(¬2) هُوَ: شَاعِرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَسَّانُ بنِ ثَابِتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حرامِ بن عَمرو الخَزْرَجِيُّ الأنْصَارِيُّ، الصَّحَابِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَسْلَمَ ودَافَعَ عن الإسْلامِ وعَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وكَانَ شِعْرُهُ عَلَى قُرَيْش أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السِّهَامِ، يُكْنَى أَبَا الوَليْدِ ويُلَقَّبُ بـ "ابنُ الفَرِيْعَةِ" وهي أَمُّهُ، عُمِّرَ طَويْلًا، وتُوفِّيَ سنة (54 هـ)، وديوانُهُ مَطْبُوعٌ عِدَّة طَبَعَاتٍ، مِن أَجْوَدِهَا طَبْعَة دارِ صَادِر ببَيْرُوت، سَنَةَ (1974 م) بتَحْقِيْقِ الدُّكْتُور وَلِيْد عَرَفَات. أَخْبَارُهُ في: الشِّعْرِ =
الصفحة 4
420