كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
بالآيةِ، وأَشْبَهُ بِمَعْنَاهَا، ولَو أَرَادَ ذِكْرَ الصَّلاةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إليه .. (¬1) وأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ (¬2) قَرَأَ: {لِذِكْرِي} فَهُوَ أَشْبَهُ بالتّأَويْلِ الأوَّلِ، وَكَأَنَّه أَرَادَ لِذِكْرَاهَا، فَنَابَتْ الألِفُ وَاللَّامُ مَنَابَ الضَّمِيْرِ، وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الكُوْفِييْنَ في قَوْلهِمْ: زَيْدٌ أَمَّا المَالُ فَكَثيِرٌ، وعَمْرٌو أَمَّا الخَلْقُ فَحَسَن عَلَى تَقْدِير: أَمَّا مَالُهُ وأَمَّا خُلُقُهُ وأَمَّا رِوَايَةُ ابنِ بُكَيْرٍ فَقَال. "يَا بِلالُ فَقَال: بِلالُ" فَمَعْنَاهُ: يَا بِلالُ مَا هَذَا الَّدي فعَلْتَ؟ ! أَو يَا بِلالُ: أَيْنَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ؟ فَحَذَفَ بَعْضَ الكَلامِ اخْتِصَارًا حِيْنَ فُهِمَ المَعْنَى، وكَرَّر النِّدَاءَ مَرَّتَيْنِ مُبَالغَةً في الإنكارِ، والتَّقْدِيْرُ: فَقَال يَا بِلالُ فَقَال يَا بِلالُ فأسقط حَرْفَ النِّدَاءِ من الثَّانِي كَمَا قَال تَعَالى (¬3): {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي}.
- وَقَوْلُهُ: "وَقَدْ رَأى مِنْ فَزَعِهِمْ" [26]. تَقْدِيرُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الحَسَنِ الأخْفَشِ (¬4): وَقَدْ رَأَى فَزَعَهُم وَ"مِنْ" زَائِدَةٌ؛ لأنَّهُ يُجِيْزُ زِيَادَةَ "مِنْ" في الكَلامِ الوَاجِبِ، وحَكَى عَنِ العَرَبِ: "قَدْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ" أَيْ: قَدْ كَانَ مَطَرٌ، وحَكَى الكِسَائيُّ نَحْوًا مِنْ ذلِكَ، وَسِيْبَوَيْهِ وَمَنْ يَرَى رَأَيَهُ لَا يُجِيْزِوْنَ زِيَادَةَ "مِنْ" إلَّا في النَّفْي والاسْتِفَهَامِ كَقَوْلكَ: مَا جَاءَنِي من رَجُلٍ، وهَلْ خَرَجَ مِنْ رَجُل، ويَتَأَوَّلُوْنَ
¬__________
(¬1) هكذا جاء في الأصل؟ !
(¬2) هي قراءة السُّلمي والنَّخعي وأبي رَجَاء، وقرأ الشَّعْبِيُّ {لِذِكْرِي}. يُراجع: الكَشَّاف (2/ 532)، والبَحر المحيط (2/ 532). وفي "زَاد المَسِير" (5/ 375): "وقَرَأ ابنِ مَسْعُوْدٍ وأُبيّ بن كَعْب، وأبي السُّمُيفع {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} بلامين وتَشْدِيد الذَّال".
(¬3) سورة يُوسف، الآية: 29.
(¬4) سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ المُجَاشِعِي بالوَلاءِ، أَبُو الحَسَنِ (ت 316 هـ). أَخْبَارُهُ في: مراتب النَّحويين (68)، وإنباه الرُّواة (2/ 36)، ومُعجم الأدباء (11/ 224). وَهُوَ الأخْفَشُ عند الإطْلاقِ، وَهُوَ أَبُو الحَسن عِنْد الإطْلاق أَيْضًا، وَمَذْهَبُهُ في هَذا مَشْهُوْرٌ في كُتُبِ النَّحويِّيْن.
الصفحة 40