كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

المَحْضِ، وَلكِنَّهَا عَلَى مَعْنَى الإنكارِ والإشْفَاقِ مِن شَيءٍ يتوَقَّعُ، ويَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ في الحَدِيثِ الآخَرِ: "لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا" وإِنَّمَا قُلْنَا ذلِكَ؛ لأنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهُ مَخْرَجَ التَّبَرُّمِ والغَضَبِ، بِدَلِيلِ قَوْلهِ في الحَدِيثِ الآخَرِ: "عَقْرَى حَلْقَى مَا أُرَاهَا إلَّا حَابِسَتُنا" وهَذَا منَ الدُّعُاءِ الَّذي لا يُرَادُ وُقُوْعُهُ. الرِّوَايَةُ فِيهِ بالقَصْرِ مِثْلُ سَكْرَى. والصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: عَقْرًا حَلْقًا بالتَّنوين أي: عَقَرَهَا الله وحَلَقَهَا أي: أَصَابَهَا تَوَجُّعٌ في حَلْقِهَا (¬1). ويَجُوْزُ أَنْ يُرِيدَ الاسْتِئْصَال والذَّهَابَ شُبِّهَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَنِيّةِ: حَلاقِ. وَمَجَازُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: "عَقْرَى وَحَلْقَى" أَنْ يَكُوْنَا اسمَينِ مَقْصُوْرَينِ بُنِيَا عَلَى مِثَالِ "فَعْلَى" كَامْرَأَةِ حَزْيَا فَيَكُوْنَا في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَال: اللَّهُمَّ اجْعَلهُمَا عَقْرَى، أَوْ في مَوْضِعِ خبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: هِيَ عَقْرَى، وإِذَا كَانَ هَذَا التّأويلُ مُمْكِنًا فِيهِمَا فَلَا مَعْنَى لإنكارِ مَنْ أَنكرَهَا.
- وَقَوْلُهُ: "فَلَا إذًا" [225] , [228]. تَقْدِيرُهُ: فَلَا تَحْبِسُنَا إِذًا، فَحُذِفَ لِدِلالةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الخَبَرِ عَلَيهِ.
- وَ"الكَرِيُّ": المُكَارِي فعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ كَجَلِيسٍ بِمَعْنَى مُجَالِسٍ، وأَكِيلٍ بِمَعْنَى مُآكِلٍ، أَوْ فَعِيل بِمَعْنَى مُفِعلٍ كأَلِيم بِمَعْنَى مُؤلمٍ.

[فِدْيَةُ مَا أُصِيبَ مِنَ الطَّيرِ والوَحْشِ]
-[قَوْلُهُ: "عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ قُرَيْر"] [231]. زَعَمَ [يحيى] بنُ مَعِينٍ أَنَّ مَالِكًا صَحَّفَ في هَذَا السَّنَدَ فَقَال: عَبْدُ المَلِكَ بنُ قُرَيرٍ وإِنَّمَا هُوَ ابنُ قُرَيبٍ، وَهُوَ
¬__________
(¬1) هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيدٍ في غريب الحديث (2/ 94).

الصفحة 400