كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

العُلَمَاءِ: لا يَدْخُلُ ولا يُعْطِيهِ ويَرْجِعُ، وَقَال ابنُ وَضَّاحٍ: يُعْطِي، ولا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ فيه خِلافٌ فَإِنَ الرَّجُلَ بإِجْمَاعٍ مِنَ الأُمَّةِ يُجُوْزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ عِرْضَهُ مِمَّن يَنْتَهِكُهُ بِمَالِهِ، وَقَالُوا: مَا وَقَى بِهِ المَرْءُ عَرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَكَذلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ دِينَهُ مِمَّنْ مَنَعَهُ، وَلَوْ أَنَّ ظَالِمًا قَال: لا أُمْكِنُكَ مِنَ الوَضُوْءِ والصَّلاةِ إلَّا بِجُعْلٍ لَوَجَبَ عَلَيه أَنْ يُعْطِيَهُ عَلى (كَذا؟ ) (¬1). كَانَت الهِجْرَةُ وتَركُ الأمْوَالِ وَالأهْلِ والوَطَنِ لِلسَّلَفِ، وهي اليَومَ على مَنْ أَمِنَ في دَارِ الحَرْبِ بَاقِيَةٌ إلَّا شِرَاءُ الدِّينِ بتركِ المَالِ وَالأهْلِ والوَلَدِ، وَاللهُ عَزَ وجَلَّ ذَكَرَ الحَجَّ بأبْلَغِ أَلْفَاظِ الوُجُوْبِ حِينَ قَال: {عَلَى النَّاسِ} تأكِيدًا لِحَقِّهِ وتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، ولا إِشْكَال في ذلِكَ، كَمَا أَشْكَلَ على كَثيرٍ مَعْنَى الأمْرِ والنَّهْي والخَبَرِ والاسْتخْبَارِ، فَيَجْعَلُوْنَ الخَبَرَ بِمَعْنَى الأمْرَ، وَهَذَا لَا يَجُوْزُ كَمَا لَا يَجُوْزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ كَوْنُ الأمْر بِمَعْنَى الخَبَرَ، كَمَا لَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بمَعْنَى النَّهْي، وَتَلَوْا بِذلِكَ قُرآنا قَالُوا: {أَتَصْبِرُونَ} (¬2) بِمَعْنَى اصْبِرُوا {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} (¬3) [أي]: ازْرَعُوا و {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [أي]: آمِنُوا بالله، وَيَتَرَبَّصْنَ {تَرَبُّصُ} (¬4) وَأَشْبَاهُ ذلِكَ، وَلِكُلِّ لَفْظَةٍ مِنَ الأمْرِ وَالنَّهْيِ وَالخَبَرِ والاسْتِخْبَارِ حَقَائِقُ يتَعَدَّدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا
¬__________
(¬1) كذا في الأصل.
(¬2) سورة الفرقان، الآية: 20.
(¬3) سورة الواقعة الآية: 64.
(¬4) سورة البقرة، الآية: 226.

الصفحة 411