كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

* وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ *
وإِنَّمَا يُرْدِفُ بِأعْجَازٍ بَعْدَ أَنْ يَنُوْءَ بِكَلْكَلِهِ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ عَنِ البَصْرِيِّينَ والكَوْفِيِّينَ.
وَقَال ثَعْلَبٌ (¬1): الوُضُوء -بِضَمِّ الوَاو- الفِعْلُ، وبِفَتْحِهَا: المَاءُ، وهو قَوْلٌ مَشْهُوْرٌ عَنِ الكُوفِيِّينَ. وأَمَّا سِيبَوَيهِ وأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: بالفَتْحِ في المَصْدَرِ والمَاءِ جَمِيعًا، وذَكَرُوا أَنَّ المَصَادِرَ حُكْمُهَا أَن تَجِيءَ على فُعُوْلٍ -بِضَمِّ الفَاءِ- كالقُعُودِ ونَحْوهِ، والأسْمَاءُ بالفَتْحِ، إلَّا أَسْمَاء شَذَّتْ عَنِ المَصَادِرِ فَجَاءَتْ مَفْتُوْحَةَ الأوَّلِ وَهِيَ: الوَضُوْءُ، والطَّهُوْرُ، والوَلُوع، والوَقُوْدُ، والوَزُوْعُ، كَمَا شَذَّت أَشْيَاءٌ مِنَ الأسْمَاءِ فَجَاءَتْ بالضَمِّ كالسُّدُوْسِ والعُكُوْفِ، الأُتِيِّ، وقَال الأَصْمَعِيُّ (¬2): الوُضُوْءُ -بالضَمِّ- لَيسَ في كَلامِ العَرَبِ (¬3)، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ
¬__________
(¬1) هو: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبَانِيُّ، إمامُ الكُوفيين في عَصْرِهِ كَانَ في زَمَنِ المُبَرِّدِ وبينهما ما بينَ المُتَعَاصِرَينِ، رَوَى عَنه اليَزِيدِيُّ، وابنُ الأنْبَارِيِّ، أَبُو عْمَرَ الزَّاهِد وغَيرُهُم، وألَّف "الفصيح" المنسوب إليه، و"المجالسَ" ورَوَى وشَرَحَ مَجْمُوعةً من دَوَاوينِ الشُّعراء في الجَاهليةِ والإسْلامِ تُوفي سنة (292 هـ). أَخْبَارُهُ في: إنباه الرُّواة (1/ 138)، وتاريخ بغداد (10/ 410)، وغيرهما، وقوله هَذا في كتابه "الفصيح" (293).
(¬2) هُوَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيب البَاهِلِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ، كَانَ إِمَامًا في رِوَايَةِ اللُّغَةِ، والأشْعَارِ، والأخْبَارِ، مُتَحَرِّيًا في التَّفْسِير، ثِقَةً فِيمَا يَنْقُلُ عن العَرَبِ، ألَّف كُتُبًا، مِنْهَا: "الفرقُ" و"خَلْقُ الإنْسَانِ" واختيارته الشِّعْرِيَّة المشهورة بـ "الأصمَعِيَّات" وغيرها، توفي سنة (210 هـ).
أَخْبَارُهُ في: إنباه الرواة (2/ 197)، وتاريخ بغداد (10/ 410)، وغيرهما.
(¬3) في "تَهْذيب اللُّغة" للأزهري (12/ 99): "قَال الأصْمَعِيُّ: قلتُ لأَبِي عَمْرِو بن العَلَاءِ: مَا الوَضُوْءُ؟ فَقَال: المَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. قَال: قُلْتُ: فَمَا الوُضُوءِ -بالضَمِّ-؟ فَقَال: لا أَعْرِفُهُ". وفي "الزَّاهِرِ" للأزْهَرِيِّ أيضًا (36): "أَمَّا الوُضُوْءُ -بالضَمِّ- فإِنَّه لا يُعْرَفُ ولا يُسْتَعْمَلُ في بابِ =

الصفحة 55