كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)
يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الإسْلَامِ، ويُقَدِّمَ الأعْمَال المَرْضِيَّةَ، والمَعْنَى: لَا يَجِدَنَّكُمُ المَوْتُ إِذَا جَاءَكُم إِلَّا عَلَى هَذ الحَالِ، ونَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّابِغَةِ (¬1):
* لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا ... البيت *
فَأَوْقَعَ النَّهْيَ عَلَى نَفْسِهِ وهو يُرِيدُ المُخَاطَبِينَ، والمَعْنَى: لَا تَتَعَرَّضُوا لأَنْ أُعْرِفَكُمْ هكَذَا. ويُروى: "لأَعْرِفَنَّ" عَلَى القَسَمِ كَأَنَّهُ قَال: واللهِ لأعْرِفَنَّ هَذَا و [مثله قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬2) {لَّيَكُوُننَّ}، ومِنْهُ قَوْلُ عَبِيدِ بنِ الأبْرَصِ (¬3):
لَا أَعْرِفَنَّكَ بَعْدَ المَوْتِ تَنْدُبُنِي ... وَفِي حَيَاتِيَ مَا زَوَّدْتَنِي زَادِي
وَيُرْوَى: "لأَعْرِفَنَّكَ".
- قَوْلُهُ: "هَلُمَّ": هَذِهِ اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ [القُرَشِيَّة] (¬4)، لَا يُلْحِقُوْنَ "هَلُمَّ" ضَمِيرَ الاثْنَينِ، ولَا الجَمَاعَةِ ولا المُؤَنَّثِ ويَدَعُوْنَهَا مُفْرَدَةً عَلَى كلِّ حَالٍ؛ لأنَّها مُرَكَّبَةٌ مِنْ "هَا" الَّتِي هِيَ للتَّنْبِيهِ و "لُمَّ" الَّتِي بِمَعْنَى الأمْرِ فَغَلَبَ عَلَيهَا مَعْنَى الحَرْفِيَّةِ وشِبْهِهَا، وعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ القُرْآنُ قَال اللهُ تَعَالى (¬5): {هَلُمَّ إِلَينَا}
¬__________
(¬1) ديوانه (75)، والبيت بتمامه:
لا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حورًا مَدَامِعُهَا ... كَأَنَّ أَبْكَارَهَا نِعَاجُ دَوَّارِ
الرَّبْرَبُ: القَطِيعُ من البَقَرِ، شَبَّهَ النِّسَاءَ بِهِ في حُسن العُيُوْنِ، وسُكُوْنِ المَشْيِ، والمَدَامِعُ: العُيُوْنُ، وَهِيَ مَوَاضِعُ الدَّمْعِ. والنِّعَاجُ: إنَاثُ البَقَرِ. ودَوَّارُ: مَوْضِعٌ. يُراجع: مُعْجم البُلدان (2/ 545) قال: "اسمُ وادٍ، وَقِيلَ: جَبَلٌ ... " وأنشدَ بَيتَ النَّابِغَة هَذا.
(¬2) سورة فاطر، الآية: 42.
(¬3) ديوان عَبيد (48).
(¬4) في (س).
(¬5) سورة الأحزاب، الآية: 18.
الصفحة 74