كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 1)

- وَقَولُهُ: "بَعْدَ أنْ أسْفَرَ" [3]. أَسْفَرَ الصُّبْحُ: إِذَا أَنَارَ، وَأَسْفَرَ القَوْمُ: إِذَا أَصْبَحُوا (¬1)، واشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلهِمْ: سَفَرَتِ المَرْأَةُ نِقَابَهَا عَنْ وَجْهِهَا: إِذَا كَشَفَتْهُ، وسَفَرْتُ البَيْتَ: إِذَا كَنَسْتُهُ، ويُقَالُ لِلْمِكْنَسَةِ: مِسْفَرَةٌ، يُرَادُ بِهِ انْقِشَاعُ الظلْمَةِ وإِقْبَالُ النَّهَارِ بِضَوْئِهِ.
- وَقَوْلُ عَائشِةَ: "إنْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليُصلِّيَ الصُّبح" [4]. "إِنْ" فِي هَذَا المَوْضِعِ ونَحْوهِ عِنْدَ سيْبَويْهِ مُخَفَّفَةٌ من "إِنَّ" المُشَدَّدَة، واللَّامُ لازِمَةٌ لخَبَرِهَا؛ ليُفَرَّقَ بَيْنَهَا وبَيْنِ "إنْ" الَّتِي بِمَعْنَى "مَا"، فإِذَا قُلْتَ: إِنْ زَيْدٌ لَقَائِمٌ فَهِي تَأْكِيْدٌ، وإِذَا قُلْتَ: إِنْ زَيْدٌ قَائِمٌ -وأَسْقَطْتَ اللَّامَ- فَهِيَ نَفْيٌ بِمَعْنَى مَا زَيْدٌ قَائِمٌ، والكُوْفِيُّوْنَ يُجِيْزُوْنَ أَنْ يكُوْنَ نَفْيًا، وإِنْ كَانَتِ اللَّامُ فِي خَبَرِهَا (¬2)، ويَجْعَلُوْنَ اللَّامَ بِمَعْنَى "إِلَّا" المُوجِبَةِ، كَأَنَّهَا قَالتْ: مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا يُصَلِّي، وتَقْدِيْرُ الكَلامِ عَلَى مَذْهَبِ سِيْبَوَيْهِ: إِنْ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يُصَلِّي، ونَظِيْرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالى (¬3):
¬__________
(¬1) اللِّسان: "سفر".
(¬2) في (س): "في جوابها".
(¬3) سورة إبْرَاهِيْم، الآية: 46. والقِرَاءَةُ المَذْكُوْرَةُ هِي قِرَاءَةُ الكِسَائِيِّ وَغَيرِهِ، وهي في السَّبْعَة لابن مُجَاهدٍ (363)، والتَّيْسِير للدَّانِي (135)، وإِعْرَابِ القُرْآن للنَّحَّاسِ (2/ 187)، وإعْرَابِ القِرَاءَات لابن خالويه (2361)، وتَفْسِيْر القُرْطِبي (9/ 380)، والبَحْر المُحِيْط (5/ 537)، والنَّشر 3002)، وغيرها. قال ابنُ خَالويْهِ: "مِن هذه القِرَاءَة يُوْجِب أَنَّ الجِبَال قَدْ زَالتْ لِعظَمِ مَكْرِهِم، وقَدْ جَاءَ ذلِكَ في التفْسِيْرِ. قَال أَبُو عُبَيْدٍ: لَوْ كَانَ وإِنْ كَادَ مَكْرُهُم -بالدَّالِ- لتزوْلَ لَكَانَ أَسهَلُ؛ لأنَّ كَادَ مَعْنَاهُ: قَرُبَ أَنْ تزولَ ولَمْ تزلْ ... وقَال أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ النَّحَويُّ، قَال: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بنُ عَيْسَى عن القَطِيْعِيِّ، عن عُبَيْدٍ، عَنْ هارُوْنَ، عَن إِسْمَاعِيْل المَكِّي، عَن =

الصفحة 9