كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

الترتيبُ في الزمان مُدْرَكٌ بالعقل لا بالوضع، والترتيبُ بالأدوات أمْرٌ وضعي.
وبيان ذلك أن أَجْزاءَ الزمان سَيَّالة، مترتبة بذاتها عَقْلا، مستَحيلة الاجتماع. واذا كانت كذلك فالأقوالُ الموجُودةُ فيها كذلك، والافعال الموجودة فيها كذلكَ مترتية ضرورَةً بِتَرْتيبِ زمانها الذي وقعت فيه، وذلك الترتيبُ المذكور ليس بالوضع، وإنما هو أمرٌ عقلي.
وأما الترتيب بالأدواتِ اللفظية فَهُوَ بإلفاءِ وثُمَّ، وحتّضى، والسِّين، وسوف، ولَا، ولن، ولمْ، وما، وليس، ونحْوِها، وذلك نحوُ قام زيد فعَمْرُو، وقام زيد ثمّ عمْرٌو، وقام القومُ حتى عمرٌو.
قال شهاب الدين رحمه الله: وذلك في حتى من حيث إنها غاية، فإذا قلت: سِرْتُ حتى مطلِع الفجر اقتضى أن آخِر سَيْرك طلوعُ الفجر، وأنّ هذا الأخير من السير كان مسبوقا بسير قبله، وَلماَ كان هذا هكذا فكذلك إذا قلت: قام القوم حتى عَمرٌو.
قلت: وهذا الذي قاله شهاب الدين -رحمه الله-، خلاف ما عند النحوبين. فهي - عند النحوبين - معنَاها كَمَعْنى الوَاوِ، إلا أنها تزيد علها أن ما بعدها لا يكون الَّا جُزْءًا مِمَّا قبلها، وهو ظاهر في قولك: قام الناسُ حتى الأمِيرُ، أنها غير دالة على تَاخير قيام الأمير. وما في مثال السَّيْرِ لم يكن ذلك التاخيرُ من حيث حتى، ولكن مِن حيث إن أجزاء الزمان مترتبة، بخلاف القوم لا تَرْتيبَ فيهمِ من حيث العقل ولا من حيث الوضع، وحَتَّى جعَلَتْ عَمْرًا من حيث قيامُهُ غايَةً، بمعنى اشتدَّ القيامُ في حقهم وتأكَّدَ حتى إن من تأكيده علهم أن الكبيرَ فيهم - وهو الأمير - قَامَ، واللهُ أعْلَمُ.
قال شهاب الدين -رحمه الله-:
واذا قلت: سيقوم زيد، وسوف يقوم عَمْرٌو، فالترتيب هنا من حيث إن التنفيس بسوف أقوى منه بالسين.

الصفحة 112