كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

قلت: وهذه المسألة تؤْذِن بخلاف ما قاله، من أن الثلاثة الواجب عليهم شئ (وهم المسافر، والعبد، والمرأة) لهم التعيين، بل ظاهر هذا أن هذه المسألة على هذا القول من باب إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب بحسب قولهم انها وجبتْ بالشروع، اذْ هذا تصريح بأنها كانت غير واجبة، ثم لما شرعوا وجبت، لقوله تعالى: "ولا تبطلوا أعمالكم "، (٤٩) كما في النوافل كلها، تجب بالشروع، والله أعلم.
المسألة الثانية:
المسافر في رمضان يجب عليه أحد الشهرين: إما شهر الأداء، واما شهر القضاء، فإذا اختار صَوْمَ رمضانَ فهو فاعل لخصوص غير واجب، وهو كونُه رمضانَ، وعمومٍ واجب وهو كَونهُ أحَدَ الشهرْين، فأجزأ عنه من جهة أنه أحدُ الشهرين، لا مِن جهة كونِهِ رمضان. (٥٠)
وكذلك إذا اختار شهر القضاء، فخصوصه ليس واجبا عليه، غير أنه متعين عليه خصوص القضاء لتعذر غيره، لا أنه واجب بخصوصه، ؛ يتعيَّنُ آخر وقتِ الصلاة لتعذر ما قبله، وتعيَّنَ غيرُه لأنهُ واجبٌ بطريق الأصالة، وليس قضاء المفَرط هكذا، بل قضاؤه واجب بخصوصه وعمومه (٥١).
---------------
= وما قاله القرافي من أن الخصوصات غير واجبة، مسلَّمٌ، لكن من حيث هي خصوصات معيّنات لا من حيث هي داخلة تحت العموم، فإن العموم على ما التزمه هو واجب، وهل يُمكن إيقاع العام من حيث هو عامٌّ؟ هذا لا سبيل اليه، وإنما يقع من حيث الخصوص الشخصى، خاصة لا يمكن ذلك بوجه، فالعام على هذا لا يقع إلا في الخاص، وهذا كله مجاراة له (للقرافي) على تسليم أن الوجوب في الواجب المخيَّر يتعلق بالمعنى العام، من حيث هو عام، وذلك عند التحقيق غير صحيح، وانما هو - أعنى الوجوب - متعلق في الواجب المخيَّر بواحد غير معين مما فيه المعنى العام الذي يقال له المشترك. وعلى هذا لم يتعلق الوجوب المخير إلا بخصوص، لكنه خصوص غير معيَّن من قبل الآمر، وتعيينه موكول إلى خِيرَة المامور، هذا هو الصحيح لا ما سواه. اهـ.
(٤٩) سورة محمد. الآية ٣٣.
(٥٠) عقب ابن الشاط على كلام القرافي هنا فقال: ما قاله هنا ليس بصحيح، بل إذا اختار صيام رمضان فهو فاعل لخصوص واجب. وكيف لا يكون واجبا وهو قد عيَّنه لإيقاع الواجب كما فرض الله تعيينه. وقوله، فأجزأ عنه من جهة انه أحد الشهرين، صحيح. وقوله: لا من جهة كونه رمضان، غير صحيح، وهل رمضان إلا أحد الشهرين، وهل احد الشهرين إلا رمضان". اهـ.
(٥١) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي هنا صحيح.

الصفحة 139