كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

ويرِدُ عليهِ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَهُ فوتوا على انفسهم طول أعمارهم خيراً عظيما، وذلك فَرضِيةُ التَّاخير.
المذهب الخامس، حكاهْ سيف الدين في الإحكام، أن الوجوب متعلق بوقت الإيقاع، أي وقت كان، فَسَلم (٨٨) من الإشكالات المتقدمة.
ويرِد علية أن شأن الوجوب أن يكون متقدما، والفعل متأخر عن الوجوب، وأما كون الوجوب يتبع الفعلَ فَغيرُ معهود من الشريعة، فَلم يبق الا القولَانِ الْأوَّلانِ، والقولُ فيهما.
والقولُ أن الوجوب متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء القامة، الكائن بين طرفيها، كالواجب الخيَّر، فكأنَّ صاحب الشرع قال: صَلِّ: إما في أول الوقتِ وإمَّا في وسطه وإما في آخره. وهذا القول يسلَمُ من جميع الإشكالات الوارة على الأقوال المتقدمة.
غير أن القائلين بهذا القول اختلفوا، هل يحتاج إذا اختار التاخيرَ إلى بدل أوْ لا؟ فقيل: يحتاج، لأنه ان لم يَعزم كان مُعرضا، والإغراض حرام، وما يندفع به الحرام واجب، وقيل: لا يحتاج، لأنه لا دليل عليه، والقولُ بشئ لا دليل عليه لا ينبغي.
وأيضا إذا أتى بالبدل، حقُّهُ أن يسقط عنه وجوب الوقت، وذلك باطل. واختار الغزالي طريقة وُسْطَى وهي الفرق بين الغافل عن الفعل والترك فلا يوجب عليه عزماً، وبيْن من حصل بباله الفعلُ والترك، فهذا إنْ لم يعزم على الفعل عزم على الترك بالضرورة، فيجبُ عليه العزم على الفعل، وهي طريقة وسْطى.
فرْع مرتَّبٌ: إذا قلنا بالتوسعة فهل ذلك مشروط بسلامة العاقبة، فإن مات قبل الفعل فقد أخر مختاراً فأثِمَ، وهو قول الشافعية أو لا ياثم، لأنَّهُ فعَل ما
---------------
(٨٨) في نسخة ح: يسلم (بالفعل المضارع)، وسلِم بالفعل الماضي كما في نسخة ع، وهو كذلك ظاهر.

الصفحة 156