كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

للوصف الذى هو الزيادة المتضمنة للمفْسَدة الوصف العارضُ وهو النهي، فيفسُد الوصف دون الأول وهُو المطلوب، وهذا فقه حسن. (١٠٠)
واحتج أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - بأن النهي يعتمد المفاسد، فمتى وَرَدَ نهْيٌ أبطلنا ذلك العَقْد وذلك التصرف بجملته، فإن ذلك العقد إنما اقتضى تلك الماهية بذلك الوصف، أمّا بدونها فلم يتعرض له المتعاقدان بشئ، فبقي على الاصل غير معقود عليه، فيُرَدُّ من يد فابِضِه بغير عقد، وأطلق أحمد في هذا فأبطل الوضوء بالماء المغصوب، والذبحَ بالسكين المسْروق، لما قلناه، وأما نحن مع الشافعي فتوسطا بين المذهبين، فقلنا بالفساد لأجْل النهي عن الوصف في مسائل دون مسائل.
ولنذكر من ذلك ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الصلاة في الدار المغصوبة، قلنا نحنُ والشافعيةُ والحنفية بصحتها، وقال الحنابلة ببطلانها. فنحن نلاحظ أن متعلّق الامر قد وُجد فيها بكماله مع متعلَّق النهي، فالصلاة من حيث هي صلاة، حاصلةٌ، غيرَ أن المصلى
---------------
(١٠٠) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي من أول هذا الفرق إلى قوله: "وهذا فقه حسن" بقوله: ما قاله القرافي حكاية مذهب وتقريره، وذلك صحيح، غير ما قاله من أن الماهية المركَّبة كما تُعدم لِعدم كل اجزائها تُعدم لعدم بعض أجزائها، فإن ذلك ليس بصحيح، فإنه إذا عُدم بعض الأجزاء لم تتركب تلك الماهية، فلا يكون ذلك الجزء المعدوم جزءاً منها الا بالتوهم، وبتقدير أن يكون جزأ في غير هذا الفرض، أما في هذا فلا، وغَيْرَ ما قاله من أن ذلك الذى قرره عن أبي حنيفة فقه حسن، فإن لقائل أن يقول: ليس الأمر كذلك، فإن الوصف إذا نُهىَ عنه سَرَى النهْي إلى الموصوف، لأن الوصف لا وجود له مفارقا للموصوف، فيؤول الآمر إلى أن النهي يتسلط على الماهية الموصوفة بذلك الوصف، فتكون الماهية على ضربين: عار عن ذلك الوصف فلا يتسلط النهي عليه، ومتّصفٍ بذلك الوصف فتَسَلّط النهي عليه. اهـ
فليتأمَّل هذا التعقيب للفقيه ابن الشاط فإنه كلام دقيق وجليل، وهام ونفيس في التحقيق.

الصفحة 162