كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

كمجاوزَ بها تلك البلدة متعَدِّيا، فإن لربها تضمِينَه الدابَّةَ وإنْ رَدّها سالمة، والغاصِبُ إذا تعَدَّى بالغصب في الدابة ورَدّها سالِمةً لا يكون لربها تضْمِينُه إجماعاً، وغايةُ هذا المتعدِّى أن يكون كالغاصِب، والغاصب لا يضمَن، فكيف كان هذا؟ فرده بعضُ الفقهاء إِلى هذه القاعدة بأن قال: إن النهيَ عند الغصب نهيٌ عامٌ لا يختصُّ بحالةٍ دون أخرى ولا عيْنٍ دون عين، وفي قضية الدابة وُجدَ نهْى خاص في عين خاصةٍ (١١٢) فإنه لمَّا آجَرَهُ إلى الغاية المتعينة فقد نهاه أن يجاوزَها، والقاعدة أن النهي الخاص بالحالة المعينة أقوى مما هو عام ولا يتعلق بخصوص تلك الحالة، فهذا فرق ما بين الغاصب والمتعَدِي، فلا يلزَمُ من عدم تضمين الغاصب مع الرد أن لا يضمن المتعدى مع الرَّد، لقوة النهي في حقه.
قال شهاب الدين رحمه الله: ويَرِدُ عليه أسئلة:
أحدها أن القاعدةَ إنما هى في التعارض ولم يقع هاهنا تعارض، فلم يجتمع نهْى الغصب ونهْىُ التعدي فقُدِّمَ أحدهما على الآخر، بل انفردَ نهْى المُتَعَدِّي وحدَه في هذه الصورة.
قلت: القاعدة أن النهي الخاص بالحالة المعيَّنةِ أقوى منْ النَّهي العام مطلقا، وقد وجِدَ في القاعدة المقرَّرة وجد: إذا وُجد نهيَانِ فترجح أحدهما بأن كان خاصا بحالة معيَّنة قُبِل به (١١٣)، وليس الأمرُ أن ذلك لا يكون إلا في تِلْكَ القاعدة، ولهذا قررناها بأن الْحَذَرَ من العَدُوِّ الخَاص يكون أشَدَّ من الحَذَرِ من العَدُوِّ العام.
قال شهاب الدين: وثانيها أن النهي الخاص ها هنا نهْى آدمى، والنهي
---------------
(١١٢) هكذا في النسختين المعتمدتين في المراجعة والتصحيح، والمقابلة والتحقيق، خاص بدون تاء التانيث، ولعل الصواب: خاصةٌ بالتانيث، لأن كلمة عيْن مؤنثة في جميع مدلولاتها ومعانيها اللغوية والشرعيةكما يستفاد من تتبع مواقعها واستقرائها في السياق، وهنا يراد بها مسألة وواقعة خاصة، والله أعلم.
(١١٣) في نسخة ح: قيل به، والمعنى في النسختين يعْني تقديمه وقبوله والأخذ به.

الصفحة 167