كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

بيتهِ لجهة أخرى منه ما شاء، والإذن الخاص من المالك كإذنه للذى أوْدَعَ عنده وديعتَه أن يحملَها في يدهِ لبَيته. فإذا ظهر ما بينهُمَا (١١٦) بالمثال فنقول:
الإذن العام لا يُسقِط الضمانَ، والإذنُ الخاص يسقطه. وَسِرُّ ذلك أن الحق تعالى تفَضل على عباده فجعل ما بيْن أيْديهم مِلْكاً تَامًّا لهم، فلا ينتقل عن مِلكهم إلا يرضاهم وإذنهم، كما أن ما كان لله تعالى صرفاً لا يتمكن العباد من إسقاطه، بل ذلك بإسقاط الله له، ويتَّضح الفرق بثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الوديعة إذا حملها من القيت عنده ليحفظها ببيته (١١٧) فسقطت من يده فانكسرت لا ضمان عليه، لأن مالِكها أذن له في ذلك الحمل الذى انكسرت بِهِ، فلو سقط عليها شئ من يده فانكسَرَتْ ضِمن، لأن صاحب الوديعة لم ياذن له في ذلك.
فإن قيل: أذِن الله تعالى أن يحمِل ذلك الذي سقَط على الوديعة، قلنا: إذْن الله هو الإذْن العام لا يُسقط الضمان، وإنما يُسقِطه الإذن الخاصُّ.
المسألة الثانية: إذا استعار شيئا فسقط من يده، أو حمل شيئا فوقع عليها (١١٨)، الحكمُ كالحكم في المسألة المذكورة قبلها.
---------------
(١١٦) نسخة ح: ما فيها، والأولى أوضح وأظهر في الدلالة والمعنى العود ضمير التثنية على الإذن العام والإذن الخاص.
(١١٧) في نسخة ح: فحفظها ببينَةٍ، والعبارة الاظهر والاوضح، والأنسب للمعنى. هى عبارة القرافي هنا التى تزيد المسألة وضوحا، فقد قال: الوديعة إذا شالها المودع وحوَّلها لمصلحة حفظها فسقطت من يده فانكسرت لا ضمان عليه، لأنّه ماذون له بذلك الفعل الذى انكسرت به ... "
(١١٨) كذا في النسختين: ع، ح، ولعل الصواب عليه بضمير التذكير، العائد على الشئ، المستعارِ إلا أن يراعى فيه معنى الإعارة او العارية، وهى الشئ المستعار للانتفاع به ثم ارجاعه لصاحبه على أصله، وهى في ذلك أشبه بالوديعة من حيث ضرورة الحفاظ عليها إلى حين ردها، ومن ذلك المعنى قول لبيد مشها لما عند الانسان مال اومتاع يؤول إلى الزوال
وما المال والأهْلُون إلا ودائع ... ولابدَّ يوما أن تردَّ الودائع
وقيل في ذلك: المال ظل زائل، وعارية مستردة، ولذلك امر الله الانسان بالإنفاقِ يكون عندهُ من المال في وجوه البر والخير والاحسان فقال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين في، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كريم".

الصفحة 169