كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

الصورة الخامسة: الصلاة في بيت المقدْس بخمسمائة صلاة.
الصورة السادسة: الصلاة بِسِوَاكٍ خيْرٌ من سبعين صلاة بغير سِواكٍ.
الصورة السابعة: الخشوع في الصلاة مندوب إليه.
وحيث كان هذا فأقول:
المصالح مَتى عَظُمتْ كانت مقدَّمة، سواء كان ذلك ندبا او واجبا. فإذا رأينا ندبا مقدما فما ذاك إلا لأن المصحلة فيه أعظم، وإذا رأينا واجبا مقدما فذلك أيضا لذلك المعنى.
فالشأن في الشريعة التقديم بقوة المصلحة، والغالب أيضا أن ما عظُمَتْ مصلحتُه أن يكون حكمه الوجوب، وما قصر عن ذلك أن يكون نَدبا.
قلت: المثالان الأولان ظاهر فيهما ما ذكرَهُ بِحَسَبِ بادى النظر لا بحسَبِ التحقيق، والمثالان الأخيران بَعيدان من ذلك غاية، فإن الصلاة بسواك مع الصلاة بغير سواك، ما وقع التفضيل بين واجب وندب، وإنما وقع بين صلاتين متساويتين في الحكم، فرضِ (١٢٧) الوجوب أو غيره، وزادتْ الواحدة بالسواك، والسِواكُ هو المندوب، وليس في السواك مفاضَلة، وكذلك حديث الخشوع، والصور الآخَرُ فيها نظَرٌ، بل ليس ظاهراً (١٢٨) إلا في المثال الاول فقط.
وأما صلاة الجماعة تفضُلُ صلاة الفذ فلا، فإن التفضيل ما وقعَ إلا بين واجبين، وأحدُ الواجبَيْن زادَ على الآخرَ بانضمام مندوب اليه.
---------------
(١٢٧) في نسخة ح: فرضية (بالمصدَر الصناعى كما يقول النحاة في مثل هذه الصيغة)
(١٢٨) في نسخة ح: بل ليس ظاهر، ولعله: ليس بظاهر كما في نسخة أخرى، فسقطت الباء من خبر ليس في النسْخ، وهى تزاد في خبرها اطرادا، كما في قوله تعالى: "أليس الله بأعلم بالشاكرين"، وقوله سبحانه: أليس الله بكافٍ عبده"، وقوله جل علاه: "ألَيْسَ الله بأحكم الحاكمين" وكذلك بعدما، كما في قوله تعالى: "وما الله بغافل عما يعملون" وقوله سبحانه: وما ربك بظَلَّام للعبيد ... وقد قرر ابن مالك هذه القاعدة في بيت من الفيته في النحو، فقال:
وبعدما وليس جرَّ البا الخبَرَ ... وبعد لا ونفى كان قد يُجَرُّ
والمعنى: ليس ما ذكر القرافي في هذه الصور ومسائلها من التوجيه ظاهرا، والله أعلم.

الصفحة 173