كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قال شهاب الدين رحمه الله: وممَّا قُدِّم فيه فعل المندوب على الواجب في الشرع، الجمع للمطر، والجمعُ بعرفة، وتركُ الجمعة بعَرفة (١٢٩).
وبيان ذلك أنه لما كان المطر والطين والظلمة كان إن بقي الأمر بالخروج للصلاة في العتَمَة لحِقَتْ المشقَّة الناسَ، والشريعَةُ جآت برفْعها، وكان فيها مع ذلك حِفْظُ الواجِبِ، وهو إيقاع الصلاة في وقتها، وإن قيل لهم: لا تخرجوا إليها لأجْل المشقة، فإما أن يقال لهم: صَلوا أفرادا في بيوتكم، وتفوتهم فضيلة الجماعة وذلك مندوب، وإما ان يقال لهم: صلوا الآن مجتمعِين، فيحفظ عليهِم المندوب، وفي ذلك تضييع الواجب الذي هو أداء الصلاة في وقتهاكما كان، فكان تقديما للمندوب على الواجب، وكذا الآمر أيضا بعرفة، تُرك فيه الواجب، وهو إيقاع الصلاة في وقتها، ليحصل اتصال الجمع بالذكر، وذلك مندوب إِليه، وكذلك تَرك الجمعة بها (اي بعرفة) من حيث إن الظهر بها يُصَلَّى سِرا لا جَهْراً، وبهذا أسْكتَ
---------------
= وأما حديث الخشوع، فالمراد به الحديث الصحيح الذى أورده الامام القرافي في الكلام على الصورة والمسألة السابعة المتحلقة بالخشوع في الصلاة، وهو قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: إذا نُودِيَ للصلاة فلا تاتوها، وأنتم تسعوْن، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصَلوا، وما فاتكم فأتِموا، وروى: وما فاتكُم فاقْضوا". قال القرافي حاكيا عن بعض العلماء: إنما امر - صلى الله عليه وسلم - صحابته وأمته بعدم الإفراط في السعى لأنه إذا قدِم على الصلاة عقب شدة السعى يكون عنده انبهار وقلق يمنعه من الخشوع. اهـ.
وعلق ابن الشاط على ذلك بقوله: لا يتعين ما قاله ذلك العالم بل لِقائِل أن يقول: إن الآمر بالسكينة إنما كان، لِأن ضدها المهى عنه، الذى هو شدة السعى شاغل للبال، مُنافٍ للحضور (اي حضور البال) الذى هو شرط في صحة الصلاة بحسب الوسع ... فليس في الحديث على هذا الوجه ما يدل على تقديم مندوب ولا تفضيله على واجب، بل فيه النهْيُ عن التسبب في الإخْلَال بشرط الواجب الذي هو حضور البال، وحضوره شرط في الخشوع، والله أعلم.
(١٢٩) أوْرَدَ الامام القرافي رحمه الله هذه المسائل، وذكَرها في أول الفرق الخامس والثمانين، وفصلها وبسطها بسطا واضحا شافيا، وهو ما أختصر الشيخ البقوري في ذكرهِ لها هنا.
وقال في ذلك: إنَّ الجمع بعرفة تُرك فيه واجبان: أحدهما تاخر الصلاة لوقتها وهي العصر، فتصلى مع الظهر. مع إمكان الجمع في تحصيل مصلحة الوقت ودفع الضرر. وقد علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسائل بأن ما قاله في ذلك صحيح لا باس به.
الصفحة 174
535