كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

إلا قليلا نصفَه أو أنقُض منه قليلا أو زِد عليه" (١٣٧) فقيل في تفسيره: خير بين. قيام نصف الليل وثلثه وثلثيْه، فثلثُهُ أوْ نقَص منه قليلا، وثلثاه: "أو زد عليه"، والثلثُ واجب، وذلك (١٣٨) كما قالت عائشة ضى الله عنها: كان قيَامُ الليل واجبا ثم نُسِخَ، والنصف والثلثان مندوبَانِ، فقد خَير بين المختلفات في الحكم. وكذلك ايضا: {فليس عليكم جُنَاح أن تقصروا من الصلاة} (١٣٩) خير بين القصر في السفر والإتمام، والركعتان واجبتان جزما، والزائد ليس بواجب، وهذا يَرُد على من يقول: التخيير لا يقع الا بين المتساويات، بل هو كما قلنا. والضابط في الفرق أن التخيير إذا وقع بين المتبايِنَيْنِ فإنه لابد من التساوي بينهما، كما في خصال الكفارة، وبين جزْءٍ كل أو أكثر أو أقل لم يقع التسوية، والله أعلم.
ثم المتباينات إذا وقع التخيير بينها، إن كان قد تباينت بالأجناس كما قلنا في خصال الكفارة فذلك المسمى بالواجب المخير، وان كانت قد تباينت لا بالجنس، بل هى داخلة تحت جنس واحد، فلا يسمى هذا بواجب مخيرٍ، وهذا راجع إلى الاصطلاح. فالعتق يكون بأمة وبعَبْدٍ، والعبيد يتشابهون، والأماءُ كذلك، وللمكلف الخِيرة في ذلك كله، ولكنه لا يسمى مخيراً من هذا الوجه، واما يسمى مخيراً إذا
---------------
(١٣٧) سورة المزمل، الآيات: ١، ٢، ٣.
(١٣٨) في نسخة ح: لما (الظرفية)، وعلق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي هنا وتضمنته هذه القاعدة فقال: لو كان المشترك متعلِّق الوجوب لوجب الجميع، بل متعلق الوجوب واحد عمر "معين، والخصوصيات من عتق كسوة وإطعام هي متعلق التخيير، وحكم كل خصلة حكم الاخرى، وهذا صحيح، لا ما قاله القرافي من كونها أمورا متباينة" ثم قال ابن الشاط: ليس الثلث (اى قيامه) واجبا من حيث هو ثلث، ولو كان ذلك لكان واجبا معينا، ليس النصف والثلثان مندوبَيْن، ولو كان ذلك لجاز تركهما مطلقا، ليس كذلك بل لا يجوز تركهما إلا عند قيام الثلث.
(١٣٩) وقع في النسختين معا: "لا جناح عليكم أن نقصروا من الصلاة". والصواب: "فَلَيْسَ عليكم جناح أن تقْصُروا من الصلاة" وهو ما في كتاب الفروق: وأول الآية قوله تعالى". "وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا" سورة النساء الآية ١٠١. وهذه الآية الكريمة اصل في سنة قصر الصلاة للمسافر، وكذا ما ورد فيها وثبت من السنة القولية والفعلية عن الله - صلى الله عليه وسلم -.

الصفحة 180