كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة التاسعة عشرة (١٤٢):
نقرر فيها أنه لا يجوز التخيير بين شيئين، وأحدهما يُخشى من عقابه، ويجوز التخيير بين شيئين، وأحدهما تخشى عاقبتُه.
وبيان ذلك أنا إذا خُيِّرْنا بين شيئين فقد كان لنا بحسب كل واحد منهما أن نفعله وألَّا نفعله، واذا كان كذلك فلا يصح أن يُخْشَى من أحدهما عقاب، لأن ما يصح فعله لا يصح أن يُخشى منه عقاب، وقد قلنا بذلك، فأن نخشى العقاب باطلٌ، وأما أن نخشى (١٤٣) العاقبة مع التخيير فتصح، وهذا مِثْلُ ما خُير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قدحَيْنِ من خمر ولبن فاختار اللَّبن، وقد كان الخمر تُخشى عاقبته، لو أخذه لغوتْ أمته كما قال جبريل عليه السلام، (١٤٤) وهذا لا مجال فيه من حيث إن خشية العقاب تترتب عن المنع من الفعل، والمنع من الفعل يناقض التخيير في الفعل كما سبق، وخشية العاقبة لا ترجع إلى الكلام الذي منه الامر والنهى، وانما نرجعُ إلى القضاء والقدر، فهذا يرجع إلى أثر قدرة الله، فافترق الامرانِ، ولا إشكال في ذلك، والله أعلم.
---------------
(١٤٢) هو موضوع الفرق الخمسين بين ما ذكر فيها، جـ ٢ ص ١٢.
وقد علق العلَّامة ابن الشاط على ماجاء عند القرافي في هذين الفرقين بقوله: ما قاله فيهما صحيح، والله أعلم.
(١٤٣) في نسخة ع: فأن يخشى بالياء والبناء للمجهول في الفعلين، وكلتا الصيغتين صحيحة وسليمة، فصيغة المضارعة بالنون مبني للمعلوم، وصيغة الباء مبنية للمجهول، والفعل يحذف ويبنى الفعل للمجهول في مواضع معلومة، ولِأغراض ونُكتٍ بلاغية معروفة، جمعها بعضهم في بيتين فقال: في حذف الفاعل:
وحذفهُ للخوفِ والابهام ... والوزن والتحقير والإعظام
والعلم والجهْل والاختصار ... والسجع والوفاق والإيثارِ
(١٤٤) اشارة الي ما جاء في حديث الاسراء من رواية الإمام احمد رحمه الله عن أنس ضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى في بيت المقدس ليلة الاسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وخرج منه أتاه جبرئل عليه السلام بإء من خمر وإناء من لبن، فاختار الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة الخ ... انظر تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير سورة الاسراء،

الصفحة 182